فوزية الجار الله
للكتاب في قلبي فيض من عاطفة، هذا على وجه العموم، لكن يا لهذا الكتاب كم هو ممل!.. ومن نكد الدنيا على المرء أن يرى كتاباً ما من قراءته بدُّ!
لا بد مما ليس منه بد، ما بين متعة وتسلية ومعرفة وحياة لا بد أن نطرزها برغبات صغيرة كي تبدو أكثر رقة ولطفاً وأكثر احتمالاً..
إذاً هذا هو الكتاب، أصبح مستقراً آمناً في قاع حقيبتي، مرافقاً دائماً لي، كلما خرجت من المنزل لزيارة عابرة، أو لإحدى الرحلات قصيرة كانت أو طويلة، أستقل أحد المقاعد في الحافلة الكبيرة، أحاول قراءة بعض السطور، فجأة يأخذني الضجيج، يزعجني ضجيج السيارات المحيطة، دائماً هناك زحمة مرورية فأتركه جانباً وأقرر تأجيله إلى ساعة أكثر هدوءاً.
ذات صباح وأمام فنجان قهوة عذب الرائحة، قلت أجبر نفسي على القراءة والتسجيل، يكون الهدف المرور على كافة الصفحات ويكون التسجيل الصوتي أداة الضغط على نفسي الأمّارة بالرحيل والتحليق إلى سماوات أخرى حتى أكاد لا أجدني! أنهيت عشر صفحات، يالله إنجازٌ عظيم، ثم أذهب للترويح عن نفسي هنا وهناك، يمضي الوقت ويتبقى الكثير، يبدو الكتاب خادعاً، فهو خفيف وصغير، لكنني صُدِمت قبل الامتحان بيومين حين تصفحته مرة أخرى ووجدته أكثر من ثلاثمائة صفحة، يبدو أنني حين تصفحته بادئ ذي بدء، تجاهلت فصل الإسعافات الأولية لخبرتي السابقة حوله وأيضاً تجاهلت الفصل الآخر الذي يتحدث عن المركبة أنواعها ومحركاتها وكيفية التعامل معها في كافة الظروف المحتملة!
لا بد أن أتعلم قيادة العربة كيفما وحيثما كان وعلى أي أرض كنت، منذ الساعات الأولى حين ذهبت إلى المكتب المختص المجاور لسكني الذي ظننته المنشأة الوحيدة في المنطقة التي تقدم هذه الخدمة للمواطنين ولغيرهم من خارج البلاد -اكتشفت لاحقاً بأن اعتقادي هذا كان خاطئاً- حين ذهبت إلى المكتب وجدت سيدة وابنتها تبدو هي الموظفة المسؤولة هنا، إلى جانبها على المقعد ابنتها الجميلة وقد انهمكت في قراءة كتاب صغير ملون الصفحات، لا تتجاوز التاسعة من عمرها، بدت مثلما وردة جوري ناعمة رقيقة تتفتح للتو وكأنما لا تتجاوز السابعة، إضافة إلى أنها تتحدث قليلاً من الانجليزية بشكل لا تتقنه والدتها ولذا كانت مثار دهشتي، تذكرني ببنيات صغيرات عبرن ذاكرتي وكأنما أراهن الآن جميعاً في بريق عينيها، تبارك الخالق سبحانه.. اسمها عذراء، يا للجمال ذكرتني بأسماء معظمها مستعارة في موقع آخر ينتمي للثقافة والأدب: عذراء المنفى، عذراء الصحراء، عذراء النهر ، عذراء البحر!
تحدثني السيدة (الموظفة) بالتركية والصغيرة تقوم بمهمة الترجمة بيننا، لعل ذلك كان جانباً تسويقياً جاذباً غير مقصود من قبلهم، إذ أنني حين عدت إليهم في المرة الأخرى لم أجد الصغيرة، قالوا بأنها التحقت بالمدرسة، هذا يعني أنني حين أتيت إليهم في المرة السابقة كان ذلك موعد الإجازة المدرسية -وللقصة بقية-.