ناصر الصِرامي
أول مرة تابعنا فيها البث الفضائي الرقمي كان مع بداية حرب تحرير الكويت من الاحتلال الصدامي في آخر الثمانينات الميلادية وبداية التسعينات، كانت قناة الـ»سي إن إن» الإخبارية تنقل لنا من فوق مصفحات وطائرات الجيش الأمريكي، لقطات حية لمعركة تحرير الكويت، التي قادتها السعودية، مقابل اعتراضات عربية هزيلة لتحرير بلد عربي محتل، بذرائع مختلفة!
بالمناسبة لو دققت في الصورة جيداً اليوم سترى جانباً من تلك الجماعات والأحزاب عربيًا. وأضف لها بعض الأحزاب السياسية الأوربية، ستجد أنها هي من تقود التصعيد الهائل للأزمة مع المملكة في أعقاب غياب الصحفي السعودي جمال خاشقجي- وتلك حكاية أخرى!
كانت متابعة قناة «السي إن إن» الإخبارية، متعة وتعلمًا لفنون الصحافة الجديدة والفضائية المباشرة، لتصبح لكل بلد وحزب وتيار وقوى اليوم قناة - قنوات إخبارية مباشرة، وعدد آخر بأشكال غير مباشرة!
ظل الإعلام الحر فكرة رومانسية، وخيالاً جميلاً، ومساحة تضيق وتتسع، وكل قناة أو وسيلة إعلامية لها أجندتها التي تروج لها، فيما بقي وسيبقي الفارق في ذكاء الترويج وصياغة المحتوى، والإبداع في إثارة الأسئلة، وجذب الرأي العام أو تشتيته أحيانًا..!
في سنوات أو لعقدين كنا نرى «سي إن أن» كمدرسة إعلامية فنية وديناميكية مبهرة، لكن تلك الشبكة، التي نعرفها وتعلمنا منها بعض المهارات التحريرية والفنية، تحولت تدريجيا من -ما كنا- نعتقد أو نراه -كمعبر عن السياسة الخارجية الأمريكية- بطبيعتها الدولية، إلى حزب سياسي. وهي الآن في عصر الرئيس ترامب، وبشكل غريب فعلا، أقرب إلى قنوات المعارضة في نقدها وهجومها وربطها لكل الأحداث والمصائب في أمريكا بالرئيس، الذي كان هو بدوره مفاجأة قلب كل المعايير الإعلامية عبر مواجهته الصريحة لما يسميه «لا للأخبار الكاذبة»، أو المزيفة!، التي أصبحت الآن هكذا في نظر أنصار الرئيس وهم يهتفون علانية ضد قناة «السي إن إن الإخبارية»..!
طبعا لافت للنظر هذا الحجم والمساحة من الحرية الإعلامية داخل الولايات المتحدة الأمريكية، التي لا تتاح في أي بلد في الكون وبهذا السقف وهذه المساحة، بما فيها السخرية العميقة والكوميديا السوداء في حق رئيس أمريكا، وقائدها الأعلى!
لكن هذا نصف الحكاية، الهجوم القوي الذي تقوده «السي إن إن»، وله أجندته أيضًا، والهجوم العلني المتبادل مع الرئيس الأمريكي، يزداد يومًا بعد يوم، لكن في كل مرة يكسب الجولة هذا الرئيس المثير بصراحته ومباشرته للعالم.
وفي قضية الطرود المتفجرة الأخيرة المرسلة لقيادات الحزب الديموقراطي بمن فيهم الرئيس الأمريكي السابق أوباما، الذي لم يتعرص حتى إلى 1 % من النقد الحالي، حيث علاقته المثالية مع «السي إن إن» حتى في فوضى الخراب، المسمى الربيع العربي ودعم القناة لذلك الهدف الذي تسبب في فوضى وخسائر كبرى للمنطقة.
هذه الشبكة أصبحت بالنسبة لي كمتابع إعلامي ديمقراطية أكثر من الديمقراطيين، ومع صراحة وهجوم دونالد ترامب عليها نزلت كثيرًا من درجة الموضوعية إلى أقل درجات الخصومة السياسية!
خصومة تجعلنا نتابع القناة بحثًا عن عمق أجندتها السياسية أو مصالحها الاقتصادية التي لا تتقاطع مع الرئيس الأمريكي الحالي....
نعم هكذا وببساطة يمكنك رؤية هذا المشهد الدرامي الحر المباشر بين رئيس ومحطة إخبارية!