كوثر الأربش
ما الذي يجعل بعض الناس عظيمًا؟
لا أسأل هنا، عن النهايات، إنما أسأل من أين تبدأ العظمة؟. أو كيف يفكر أحدنا قبل أن يصبح عظيمًا. النجاح ممكن، هناك خطة واضحة، الكثير من النصائح تجعل من أحدنا يسلك طريق النجاح. لكن ليس الجميع يمكنه امتلاك العظمة. لا أعني بالعظمة، أن يكون لديك هدف وتسير لتحقيقه، ولا أن تمتلك قصة نجاح، بل ان تصبح أنت بذاتك منهاجًا، أن النجاح يصبح طريقة حياة، وليس قصة واحدة، انتهت بالفوز. سمعنا كثيرًا عن فنانين، مبدعين، مبتكرين، امتلكوا قصصهم الخاصة للنجاح، ثم انتهت الحكاية. وقد ينتهي صاحبها، بعض الأحيان، بنهاية مؤسفة، هذا إذا لم تدهسه دواليب الحياة الراكضة، ويُنسى. لأنه لم يكن عظيمًا بما يكفي، كان فقط صاحب قصة. والقصص لها نهاية، كما أن لها بداية. السؤال مرة أخرى: ما الذي يجعل بعض الناس عظيمًا؟
انتشرت في الآونة الأخيرة، خطابات التحفيز، يقولون لك لا تستلم، وأنه لا بد من الفشل لتنجح، والكثير الكثير من عبارات التحفيز، لكن هذا، وإن جعلك مشحونًا بالهمة والحماس، إلا أنه يبقى ناقصًا وسطحيًا. هناك حلقة مفقودة، هناك بداية لا بد أن تقف عندها، لتتنفس، تتأمل، وتغمض عينيك قليلاً. قبل أن تفكر في الطريق، فكر أولاً بالخارطة، وأنا هنا، سأخبرك عنها.
إن عليك أولاً، وقبل أي شيء، إعادة فهم الكلمات: الخسارة، الربح، القوة، الفشل، الصديق، العدو، الباطل والحق، الخطأ والصواب.. عليك شطب كل ما عرفته عن الأضداد، كلها، ثم إعادة كتابتها من جديد.
ولتبسيط الأمر خذ مثالاً: عندما يخذلك صديق ما؛ العاديون يحزنون، العظماء لا يأبهون، لأنهم أدركوا مفهوم الصداقة الحقيقي، بأن الصديق لا يخذل، لذا يسقطونه من القائمة، يضعون نقطة نهاية السطر، ويمضون. ولا تسألني عن العاطفة والذكريات، لأن كل ما حدث في الماضي كان مزيفًا، والعظماء لا يحبون الزيف. خذ مثالاً آخر، في إعادة فهم الكلمات: الهجوم الجماعي والكثيف مربك، وقد يصيب الأغلبية بالإحباط، يصابون بالانهزام الداخلي القاتل، في الحقيقة، لم تهزمهم الجموع، بل هزمتهم ذواتهم. العظماء لا تتسرب الهزيمة لأعماقهم، لأنهم أدركوا فهمًا جديدًا للفوز، قيل قديمًا: الكثرة تهزم الشجاعة. ربما هناك مصاديق كثيرة لصحة العبارة، لكنها لا تنطبق على العظماء، لأن الشخص العظيم، كثير بذاته. حتى لو وقف وحيدًا، مقابل حشد ضخم من الحاقدين، يبقى غنيًا، متعددًا، كما لو كان هو بذاته كتيبة. لأنهم كثرة، لكنهم مجموعة من النسخ، التابعين، لا أحد منهم يمتلك فكرته الخاصة، كلهم عبارة عن واحد.
هنا.. نتوقف، نستحضر بكل الاحترام، وبعد أن تنفس الصعداء. محمد بن سلمان، سمو ولي عهد بلادنا العظيمة. جسد العظمة بكل تجرد، بحيث لو اجتهد معلمو العالم ووعاظه أن يصفوا الأمر بالنظريات والأمثلة، لن يحصلوا على مثال حي ومُعاش، كما حدث في ذلك الْيَوْمَ. أعني خطاب سموه تحت قبة مبادرة مستقبل الاستثمار. خرج ليخبر العالم، مفاهيم جديدة للقوة، الانتصار، الصلابة، الهمة التي لا تقهر. قال، وابتسم. قال وجعلنا نشتعل حبًا بالحياة والمضي قدمًا. إنها الروح القتالية التي يمتلكها العظماء، العقلية التي تدرك أن المهاجمين قد يكونون رغم كثرتهم طيفًا واحدًا، يمكن الانتصار عليه. وأن من ذهب، فليذهب، لأن الأصدقاء لا يذهبون. ما يمكنني قوله اليوم: غبنا كثيرًا، حتى سهل على الأعداء تشويهنا، محمد بن سلمان جعلنا مرئيين، واضحين، لقد قطع الطريق على الحاقدين وعلى مسلسل التشويه.