د. أحمد الفراج
دائماً ما يعايرنا الآخرون، ومعهم المغرر بهم من جماعتنا، بأننا «مطبّلون»، والمطبل في نظر هؤلاء هو الذي لا يتورع عن الإشادة بأي منجز وطني، ولا يتردد في الدفاع عن وطنه وقت الأزمات، ويظهر التقدير والاحترام للحاكم، ففي عرف هؤلاء أن هذا من التطبيل الذي لا يليق، والمؤسف هو أن كثيراً من المثقفين السعوديين يتحاشى فعل ذلك، خوفاً من انحسار الجماهيرية، إذ تجده يشيد بالإنجازات الوطنية في المجالس الخاصة، ثم يحاول الظهور بمظهر المحايد المناضل في الكتابات والتعليقات، وقد قدر لي أن أعرف أحد هؤلاء، فهو قد تخصص في ملاحقة المثقفين السعوديين الذين يكتبون بإيجابية، وتصنيفهم بالتافهين والمطبلين، ومن ثم تشويه صورتهم، لأن هذا هو ما يرفع من شأنه، ويسقط «المطبلين» من أعين الناس، حسب زعمه.
الطريف في الأمر هو أنه قُدِّر لي أن أرى هذا السوداوي المناضل في مجالس بعض الكبار، فرأيته متملقاً، لا يعكس سلوكه أطروحاته السوداوية الناقدة، أي أن طرحه السوداوي المتشائم، والمستفز في كثير من الأحيان، كان يهدف إلى لفت الأنظار، وكسب الجماهيرية على حساب المواطن، الذي لا يعرف حقيقته الوصولية والانتهازية، وعرف عنه نقد المسؤولين، الذين يتلكؤون في تمرير مصالحه، حتى لو كان تمريرها مخالفاً للنظام، فالمواطن يتوقع أنه ينتقد المسؤول الفلاني، لأنه قصّر في أداء عمله، ولا يعلم هذا المواطن المسكين أنه هو آخر هموم هذا الانتهازي ومن على شاكلته، ومن المسلم به أن «الطرح السوداوي» يبيع في مجتمعنا، فالطرح الشعبوي المتشائم يجذب كثير من الناس، لأن مثل هذا الطرح يجعلهم غير «مطبلين»، ولا يعلم هذا المواطن المسكين أنهم، في حقيقتهم، من عتاة المتملقين الانتهازيين، الذين يستغلون براءته للوصول والشهرة.
الأعجب من كل ذلك، هو أن من يصف المثقفين السعوديين الإيجابيين بأنهم مطبلون، يشيد بهذا المثقف الغربي أو ذاك، مع أننا لو طبقنا ذات نظريته، لأطلقنا على هذا المثقف أو الإعلامي الغربي لقب مطبل!، ففي أمريكا، على سبيل المثال، هناك من كبار الإعلاميين والمثقفين من يطبل لأوباما، وينتقد ترمب، ليس بناء على أسباب موضوعية، بل لأسباب حزبية وأيدولوجية، ومن يتابع الإعلام الأمريكي حالياً، يرى كيف «يطبّل» مذيعو قناة فوكس نيوز لترمب، وأفضل مثال على ذلك هو تكر كارلسون، الذي تخصص في التطبيل لترمب، مهما كانت قراراته، تماماً كما كان فريد زكريا مطبّلا لأوباما، وخلاصة الحديث، هو أنه في كل المجتمعات، بما فيها الديمقراطية، يوجد المثقف والإعلامي، الذي يعجب بهذا الزعيم أو ذاك، ومن ثم يشيد بإنجازاته، ولكنه لا يوصف بالمطبل، بل صاحب وجهة نظر، ما عدا هنا، إذ ما لم تنتقد وطنك وحكامه، فأنت مطبل!.