أ.د.محمد بن حسن الزير
قبل تاريخ 1157هـ الموافق 1744م، لم تكن السعودية شيئاً مذكوراً في حساب الدول والأمم؛ وذلك لسبب واضح ومعروف، وهو أنها لم تكن وجدت بعد؛ ولكن حين التقت رغبة أهل هذه الأرض، قيادةً وشعباً، في ذلك التاريخ المذكور، نعم رغبة الناس في اجتماع الكلمة، وتوحيد الصفوف، وتطلعهم لبناء مجتمع مؤمن قوي بالله، وتأسيس دولة مؤمنة مكينة تحت لواء جامع مانع؛ تحت راية «لا إله إلا الله، محمد رسول الله» هذه الراية الوحيدة التي لا تنكس أبداً؛ لقد كانت تلك الرغبة الشعبية الحقيقية من الجميع هي الباعث الجوهري لأن توجد هذه الدولة العظيمة المتميزة العميقة المكينة، معتمدة على الله الذي تستمد منه وحده قوتها وعمقها، وتجد في كنفه وحده ملاذها ومأمنها وحمايتها!
نعم! وجدت السعودية بناء على تلك الرغبة المشتركة بين القيادة والشعب.. هذا الشعب الذي منه قيادته.. وهذه القيادة التي هي من شعبها.. ووجدت على ذلك الأساس الخاص الفريد؛ ألا وهو الاجتماع ولم الشمل والتوحد لنصرة كلمة الله، وتحري تحقيق الاستقامة والعدل، والسعي لتحقيق إقامة الميزان، على منهج كتاب الله، عز وجل، وسنة رسوله، صلى الله عليه وسلم، وتلك أهداف إنسان هذه البلاد، وذلك منهجه؛ بكل فئاته وأطيافه، هذا الإنسان المؤمن بالله، المنطلق من عقيدة التوحيد لله لا شريك له، والمتبع لهدي رسوله الأمين، صلى الله عليه وسلم، هذه البلاد التي هي أرض الحرمين الشريفين، ومهد اللسان العربي المبين، الذي اختاره الله، العليم الخبير، ليكون لسان القرآن الكريم، الذي أنزله الله هدى للناس، ومبعث الرسول الخاتم الأمين الرحمة للعالمين أجمعين!
إن الدولة السعودية دولة عقيدة ومبادئ ودولة قيم منبثقة من تلك العقيدة؛ إنها دولة دين وشعب، وليست دولة عصبية قبلية، ولا دولة أهواء حزبية، ولا دولة بدع خرافية، ولا دولة أطماع دنيوية، ولا دولة نوازع عدوانية؛ إنها دولة دين قويم، يقوم على عقيدة صافية، ومنهج بريء من كل شرك وبدع، دولة شعب مستسلم لدينه وعقيدته، يتعلم وينمو ويعمر ويتطور، في ظل ذلك المنهج، ويجاهد نفسه لتحقيق ذلك، في بلدة طيبة ورب غفور، دولة تستند على شريعة سمحة، هي ميزان عدل، وهي رحمة للعالمين، دولة تخدم الإسلام والمسلمين، وترعى مواطنيها ومصالحهم، وتتشرف بخدمة الحرمين الشريفين، وتأمينهما، وتأمين حدودهما؛ التي هي حدود السعودية من كل جهاتها، ورعايتهما، وتسهيل وصول الركع السجود إليهما، وقاصديهما من حجاج وزوّار، في راحة وأمان، ويسر واطمئنان؛ وفي ظل ذلك يعيش الشعب ودولته، وتعيش الدولة وشعبها، في أمن وأمان، وفي طمأنينة واستقرار.. يأتيها رزقها رغداً من كل مكان.
وفي هذا السياق، عن هذه الدولة السعودية وحقيقتها، وعن شعبها وطبيعته، ومريديها وولائهم، لا بد أن نشير، بإيجاز بسبب ضيق المجال، إلى بعض أقوال خادم الحرمين الملك سلمان بن عبد العزيز، وسمو ولي عهده الأمين الأمير محمد بن سلمان، حفظهم الله، وبعض مواطني هذا الوطن العزيز، ونموذج من نظرة أحد العرب المسلمين إلى السعودية.
قال خادم الحرمين الشريفين، يحفظه الله، عن مشاركة المواطنين في شرف تأسيس الدولة السعودية؛ (الجزيرة العدد 16810): «لا يوجد أسرة أو قبيلة في هذه البلاد إلا ولآبائها أو أجدادها مشاركة فاعلة في توحيد البلاد وبنائها وتعزيز قوتها ورسالتها، والجميع في هذا الوطن جزء لا يتجزأ من هذا الإنجاز التاريخي لهذه الدولة المباركة وأسهم، حقيقة، في بنائها ووحدتها وتماسكها».
وقال سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، يحفظه الله، معبراً عن ثوابت السعودية؛ (المصدر السابق): «إن وطننا الغالي الذي انطلق منه الإسلام، وأضيئت منه أنوار النبوة، سيظل متمسكاً بثوابت الدين الحنيف دين الوسطية والاعتدال، محارباً بلا هوادة التطرف والإرهاب وفقاً لما أكده سيدي خادم الحرمين الشريفين، عندما قال إنه» لا مكان بيننا لمتطرف يرى الاعتدال انحلالاً، ويستغل عقيدتنا السمحة لتحقيق أهدافه، ولا مكان لمنحل يرى حربنا على التطرف وسيلة لنشر الانحلال واستغلال يسر الدين لتحقيق أهدافه» ولن يُسمح لأحد أيا كان بأن يعتدي على سيادة وطننا أو يعبث بأمنه.
ومن هذه المشكاة النورانية، وانطلاقاً من تلك الثوابت الحنيفية، وتعبيراً عن هذه الرؤية الثاقبة لحقيقة الدولة السعودية وطبيعتها، ومنهجها، جاءت أقوال، سمو ولي العهد الأمير محمد مؤخراً، وتصريحاته التي أدلى بها إلى (بلومبيرغ) كلمات من نور؛ فقد جاء حديث سموه، شُهُبَاً ثاقبة، وبلسماً شافياً لنفوس السعوديين، ونفوس غيرهم من مسلم وغير مسلم، وأبرأ سُقمها، وأراح أرواحها، وحقق سكينتها، واستيقن الجميع من أن البلد في أيدٍ أمينة مؤمنة واعية؛ فقد كان من أقواله تلك (الجزيرة، العدد 16809):».. الرئيس أوباما خلال فترة رئاسته التي دامت 8 أعوام قد عمل ضد أغلب أجندتنا ليس فقط في السعودية، وإنما في الشرق الأوسط.. وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة عملت ضد أجندتنا، إلا أننا كنا قادرين على حماية مصالحنا.. وقد كانت النتيجة النهائية أننا نجحنا، وأن الولايات المتحدة الأمريكية في ظل قيادة أوباما قد فشلت، على سبيل المثال في مصر.. لا يمكنك أن تحظى بأصدقاء يقولون أموراً جيدة عنك بنسبة 100 % حتى داخل عائلتك.. سيكون هناك سوء الفهم لذا نحن نضع ذلك ضمن هذا الإطار.. نشتري الأسلحة من أمريكا ولا نأخذها مجاناً.. تربطنا بترامب علاقة عمل مميزة.. المملكة هي التي تحمي نفسها وليست في حاجة لحمايتها من أحد.. السعودية موجودة قبل أمريكا بثلاثين عاماً.. لن ندفع شيئاً مقابل أمننا.. العلاقات مع الولايات المتحدة مميزة، ونتعاون في محاربة الإرهاب.. كما تتضمن تلك الاتفاقيات أيضا تصنيع جزء من الأسلحة داخل السعودية.. الخ.
وقال الأمير خالد الفيصل، وفقه الله، مصوراً ما يقوم عليه نظام الحكم في السعودية من البيعة والشورى، المؤسسة على دستور الدولة، وهو القرآن الكريم؛ (المصدر السابق):
أرسم والون لوحتي نثر وأشعار
وأساهم بفكري مع أرباب الأفكار
وأشعر بنشوةْ عز مع كل إنجاز
وأساهر أحلامي مساها والأسحار
وأذكر وصية والدي»خُف من الله»
و»أرْض الضمير» أخذتها سرْ وجْهار
ما عزنا الله غير بالدّين والشرع
دستورنا تنزيل علَّام الأسرار
ما صاغته لجنة ولا أملاه إنسان
بشَّرْ به المبعوث رحمة للأبرار
الحكم في الإسلام بيعة وشورى
والعدل بين الناس والأمن بالدار
يفرح بها العاقل ويزعل بها الشاذ
ومن خاف ربه هابته كل الأشرار
وقال المواطن الشاعر عبدالرحمن بن صفيان، رحمه الله، في حربية رائعة له:
نحمد الله جت على ما تمنَّا
من ولي العرش جزل الوهايب
خبّر اللي طامعٍ في وطنَّا
دونها نثني إلى جا الطلايب
يا هبيل الرأي وين إنت وإنَّا
تحسب إن الحرب نهب القرايب
واجد اللي قبلكم قد تمنَّا
حربنا لي راح عايف وتايب
انهض الجنحان قم لا تونَّا
بننكلهم دروسٍ عجايب
لي مشى البيرق فزيزومه إنَّا
حن هل العادات وأهل الحرايب
كان ما نجهل على اللِّي جهلنا
ما سكنَّا الدار يوم الجلايب
ديرة الإسلام حامينها إنَّا
قاصرينٍ دونها كل شارب
أما المواطن العربي المسلم وزير الدفاع السوداني؛ (قناة العربية) عوض بن عوف، والسودان إحدى الدول الشقيقة المشاركة في التحالف العربي ضد العدوان على اليمن من قبل الميليشيات الإيرانية؛ فأسوق على لسانه أقواله التي تمثل نموذجاً لما يشعر به كل مسلم ، تختلج بين جوانحه عواطف الإيمان، وتمور في قلبه أشواق التطلع، لتقديم الأرواح قبل الأموال والأجساد فداء للثرى الطاهر، والحرم المقدس، وأول بيت وضع للناس، إنه مثل لتداعي كل عربي مسلم؛ يهفو فؤاده لتلبية نداء الواجب، حين يدعوه إمام المسلمين خادم الحرمين الشريفين؛ للدفاع عن السعودية بوصفها أرض الحرمين الشريفين، وربوعها الغالية على كل مسلم؛ يقول الوزير مؤكداً استمرار قواته في المشاركة في قوات التحالف: «سنقف مع السعودية التي تمثل بلد الحرمين الشريفين حتى آخر رجل منا» ثم يقول عن ذلك الموقف وذلك الدفاع إنه: «واجب أخلاقي.. واجب ديني.. عن الحرمين الشريفين.. نحن ندافع حتى آخر رجل عن الحرمين الشريفين.. سندافع حتى آخر جندي.. حتى آخر قرش»!
إن هذه الدولة بتلك المواصفات، وبتلك الأسس والمقومات؛ من هو الذي يمكن أن يحميها، غير ربها ومولاها، ومن يدافع عنها، ويذود عن حماها، غير أهلها، قيادة وشعباً، وغير إخوانها ومن ولاها؛ من كل عربي غيور، ومن كل مسلم طاهر جسور.
ولأن الله يدافع عن الذين آمنوا؛ ومن هنا فقد ظلت السعودية قوية شامخة، وظلت عصية على كل المحن والمؤامرات، والابتلاءات الكثيرة التي واجهتها، عبر تاريخها الطويل الممتد عبر المكان والزمان، وستظل كذلك بإذن الله وعونه وتوفيقه؛ ما دام هذا ديدنها وهذا منهجها؛ تلك هي السعودية، وهذا سر قوتها وعظمتها لمن لا يعرف ذلك، من كل قاصٍ ودانٍ!
** **
- أستاذ اللغة العربية وآدابها وعميد كلية اللغة العربية سابقًا