عبدالعزيز السماري
ربما يدرك بعض المخضرمين في المجتمع السعودي تطور مشاعر الإحساس بقيم الجمال خلال العقود الماضية، فقد كانوا إلى وقت قريب نسبياً يتعاملون مع بعضهم بعضًا من خلال التشهير بسمات القبح بينهم، وقد كان كثير من الأسماء المتداولة سمات سلبية ظاهرة عند الآخرين، وكانوا يستخدمونها لمعرفة الناس والتفريق بينهم، وهي شاهد على أن قيم الجمال كانت في أدني مستوياتها في ذلك الزمن..
يثير هذا الانطباع التساؤل الشهير حول قيمة الجمال، وهل هي قيمة عالمية أم أنها حالة ذاتية تفرضها الحالة الثقافية في المجتمع، وعلى سبيل المثال قد يرى العالم لوحات ديفيد مايكل أنجلو وفان جوخ الذاتية جميلة؛ بينما قد لا تعني أي شيء لشخص في مجتمع لم يكن للرسم تاريخ في ثقافته الشعبية، كذلك قد يكون الاستماع إلى سمفونية بيتهوفن التاسعة غاية في الجمال في مجتمعات أخرى، لكنه لا يعني أكثر من شعور بالذنب في مجتمع يؤمن بحرمة المعازف الموسيقية؟
لكن هل يرتبط الجمال بالمتعة؟، وهل يحمد البشر نعمة الجمال لأنه قد يمنحهم المتعة؟، فإذا كان الجمال من جهة يبدو مرتبطًا بالمتعة الجمالية، فإن السعي إلى الحصول على الأول كوسيلة لتحقيق هذا الأخير يمكن أن يؤدي إلى مذهب المتعة الأنانية (البحث عن الذات المتمركز حول الذات لمصلحته الخاصة)، وهو الرمز النموذجي للانحطاط الأخلاقي، وهو ما يفسر ذلك الجنون الفوضوي في البحث عن المرأة الجميلة في المجتمعات البدائية، والحرص على اقتنائها كلوحة جميلة في فناء المنزل.
قد يكون الجمال ذاتيًا تمامًا - أي إذا كان أي شيء يحمل في ذاته جمالاً، تصبح الكلمة لا معنى لها، أي أن الجمال حالة شخصية، ويعتمد على ذاكرة الإنسان وتفاعله مع غرائزه وأحاسيسه، لكن ما يخالف ذلك أن أحكامنا قد تتطابق إلى حد كبير، وقد يكون من الغرابة أن ينكر أي شخص أن جمالية الورود والأزهار في فصل الربيع أو سحر الغروب في سماء صافية.
قد أجاد الشاعر إيليا أبو ماضي في ختام قصيدته فلسفة الحياة، حين قال: «كن جميلاً ترى الوجود جميلا»، وهو يعني أن الجمال حالة ذاتية تجعل المرء يرى في المصيبة جمالاً، وفي الشدة جمالاً، وفي الصبر جمالاً، وتعني أنك تحمل قلبًا يغض النظر في عيوب الناس، ويبحث عن صفات الجمال والكمال في أناس قد تختلف معهم، وهو ما يجعل منك شخصاً متسامحاً مع الآخرين..
أدرك أنه من الصعب على الإنسان الوعي بتلك النظرة السلبية للآخرين، وسيكون من الصعب أيضاً أن يتغير الإنسان من أن لا يرى في الناس إلا عيوبهم إلى إنسان يقدر التنوع الجمالي بين البشر وفي الطبيعة، ولذلك قد يكون الإحساس بالجمال هو حالة نفسية، وقد يكون لها أسباب موضوعية وعضوية..
الجانب الفلسفي في الجمال يشترط وجود عناصر أساسية لتفسير ظاهرة الإحساس بالجمال، حيث لا يمكن معرفة جمال الأشياء إلا من خلال نقيضها، ولا يمكن إدراك معنى النّور إلا من خلال الظلمة، وماهية الجهل إلا من خلال العلم، حيث تُقاس قيمة الأشياء من خلال إسقاطها على نقيضها.
قد تفقد معاني الجمال كثيراً من عناصرها عندما تتحول إلى سلعة تُباع وتُشترى في السوق، ولهذا من الخطأ أن يتحول الجمال كقيمة إلى سلعة مادية كما يحدث في مسابقات الجمال بين النساء حيث يظهر القبح في أوضح صورة في ذلك الاستغلال لفتيات في عمر الزهور من أجل بيع أجسادهن في عروض التعري على مسارح تغص برجال تفوح منهم روائح الشجع والقبح..
قد ننجح وقد نفشل في الوصول إلى تفسير مقبول لظاهرة اختلاف الإحساس بالجمال بين البشر، لكنها بكل تأكيد قيمة مرتبطة بعناصر التحضر والتقدم في المجتمعات البشرية، إذ كلما ارتفعت نسب الإحساس بها أصبح المجتمع أكثر سلماً وتسامحاً وأقل عنفاً..،، «إن الله جميل يحب الجمال»?