إن التغير في المجتمعات البشرية سنة كونية، يحدث من خلال مراحل انتقالية وكل مرحلة لها ما يميزها عن الأخرى تبعا لظروف الحياة ومكوناتها، والمجتمع السعودي احتل مكانة رفيعة بين الأمم في الحضارة والتقدم العلمي والتميز في شتى معالمه، مع المحافظة على طابعه الخاص وعاداته وتقاليه، ومن أهمها وأبرزها المجالس المفتوحة، التي يطلق عليها (المدارس) لما لها من أثر بالغ في تنشئة الأفراد على حب الوطن، ووسيلة فاعلة لتعليم مكارم الأخلاق والقيم والمبادئ والمثل الفاضلة، لما تتميز به من سمت رفيع من الاحترام والتقدير، فالحديث فيها يتسم في الصدق والأمانة والتواتر والتأصيل، فالمتحدث مسؤول أمام الحضور عن حديثه، ومناقشته واردة، وتصويبه ممكن، يتجلى فيها أدب الحوار مع الحاضر وحفظ الحقوق للغائب مما جعل لها الصدارة في التأثير والعمق في الترابط وبناء العلاقات الطيبة المتينة بين أفراد المجتمع.
لكن هذه المجالس (التقليدية) إن صح التعبير أصبح لها منافس، في الوقت الراهن الذي يشهد تقدمًا سريعًا في تكنولوجيا الاتصال ومخرجاته من البرامج والتطبيقات في عالم التواصل الافتراضي، ومن أبرزها برنامج (الواتس آب) الذي استطاع جمع كثير من الناس تحت مظلة (مجموعات، قروبات، ملتقيات) فأصبحت المجالس الافتراضية تفرض وجدها لكثرتها، وغياب الضوابط الإيجابية التي تحظى بها المجالس التقليدية، بحجة الحرية المفرطة مما سهل نقل الكثير من المعلومات والآراء المغلوطة، واستخدام بعض العبارات والألفاظ السيئة، مما يؤثر سلبًا على الترابط الأسري، وتساهم في نشر الكراهية والبغضاء بين الأفراد وإظهار ضغائن النفوس من مكنونها المحفوظ إلى ساحة الفضاء المنشور، وتفاقم المشاكل بين الأقرباء، وحدوث العديد من القضايا التي يصل بعضها إلى الدوائر الشرعية والأجهزة المختصة، لمعالجتها والنظر فيها.
وعلى خطورة هذا الأمر على تآلف الناس وتعاونهم فيما بينهم، إلا أن هناك أشد خطرًا وضررًا وأدوم تأثيرًا، وهو استغلال هذه المجالس الافتراضية أو ما يسمى (المجموعات أو القروبات أو الملتقيات)، من قبل بعض أصحاب الفكر الموجه، الساعين لنشر سموم أفكارهم المنحرفة واستغلال روادها، وخاصة الشباب المتحمسين بطبعه الذين تنقصهم الخبرة والتجربة، أو أصحاب التعليم المتواضع الباحثين عن تقدير الذات، أو من ينجرف بسهولة خلف العبارات المنمقة الرنانة التي تلعب على وتر وتهدف لآخر، لتصل لغايات مشينة وأهداف هابطة، أقلها تأثيرًا أحداث الانشقاق والتفرقة بين أبناء الأسرة الواحدة، التي هي اللبنة الأساسية لترابط المجتمع وتعاونه، وتفككها تفكك المجتمع وغياب المواطنة الصادقة.
إن حزم الدولة وتوجيهات ولاة الأمر للأجهزة المعنية والمختصة، بمتابعة تلك الوسائل ومحاسبة المخالفين لضوابط استخدامها، اتضح فيما يرصد يتم التعامل معه، إلا أن استغلال مساحة الحرية في الطرح في هذه المجالس الافتراضية البعيدة عن الرقابة، استخدم بفهم خاطئ وبطريقة مقصودة، من بعض مستخدميها لتحقيق مقاصد هدامة، وبقائها بعيدا عن الرصد خطورته على الوطن وتكاتف أبنائه، والعبث في أحد مكونات الأمن الشامل.
أدام الله على وطننا الأمن والاستقرار.