د.ثريا العريض
انتهى مؤتمر «دافوس الصحراء» النسخة الثانية من مبادرة مستقبل الاستثمار الذي نظمه صندوق الاستثمارات العامة مكللاً بالنجاح, رغم تداعيات سحابة مقتل الإعلامي جمال خاشقجي التي ألقت بظلالها على الأجواء العامة إعلاميًّا ونفسيًّا وسياسيًّا؛ إذ كان الحدث مؤلمًا ومحزنًا للعالم كله كما قال صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان ولي العهد وراعي المؤتمر حين سُئل عن القضية في جلسة المؤتمر التي شارك فيها.
وبالرغم من اعتذار بعض القادة المدعوين عن عدم الحضور مبررين ذلك بعدم رضاهم على قضية خاشقجي إلا أن الرؤساء التنفيذيين للشركات المهمة في تلك الدول حضروا, إضافة إلى مسارعة مهتمين آخرين لملء المواقع الشاغرة، ونيل الفرص التي لم يتوقعوا الحصول عليها. وبلا شك المصالح الاقتصادية والصفقات تظل أول الاعتبارات.. وبهذا حضر مشاركون من 88 دولة، وتم توقيع 25 اتفاقية للاستثمار في مشاريع داخلية وخارجية، تتعلق بنواحٍ متعددة من التنمية الاقتصادية في قطاعات الطاقة والإسكان والاستثمار الصناعي, وصلت قيمتها إلى 56 مليار دولار, مع شركاء من كبار المستثمرين من الشرق والغرب. وغادر المشاركون عائدين إلى بلدانهم شاكرين تميُّز التنظيم والتنسيق والأمن والاستضافة, إضافة إلى فرص الحوارات المهنية البانية للعلاقات المستقبلية مع نظرائهم من المواطنين السعوديين والزائرين من الدول الخليجية والعربية والغربية والشرقية.
وبلا شك أتاحت المناسبة فرصة للزائرين لمعايشة بعض منجزات رؤية التحول الشامل التي تحققت في زمن قياسي أقل من 3 سنوات منذ أُعلنت استراتيجية التحول الثقافي الشامل، واستطاعت خلالها القيادة فرض ممارسة ثقافة المشاركة في البناء الإيجابي، وحس المسؤولية فرديًّا من الجميع, بدلاً من استمرار الخنوع لأعراف التبعية الفكرية المرسخة للتحجر والانغلاق، وفرضه بقوة الوهم والترهيب. وتفهُّم عدم ضمان سياسة الاعتماد على مصدر ريعي من ثروة غير مستدامة، والاتكالية على حكومة أبوية.
وضوح التغير في الممارسات اليومية والانفتاح وتمكين المرأة والشباب.. منجزات حظيت بإشادة ورضا من جميع الزائرين.
كل هذا طبعًا كان طبيعيًّا وإيجابيًّا، ولم يتجاوز ما كان متوقعًا.
المختلف هذه المرة أن هذا المؤتمر الحافل تزامن مع متابعة العالم لقضية جمال خاشقجي - رحمه الله - بكل غرائبيتها وغموض تفاصيلها التي ظلت تتسرب بالقطارة من مصادر غير معرَّفة لجهات إعلامية، أغلبها تحمل أجنداتها الخاصة. وكانت فرصة لجهات رسمية أوروبية لتصريحات، أتصور أنها حملت رسائل لمواطنيها, أكثر مما بدا ظاهريًّا كإطار اهتمام بقضية إنسانية جنائية، وقعت في إسطنبول بقنصلية المملكة العربية السعودية.
ما زال هناك جوانب معتمة لما جرى، ستكشف عنها تقارير نتائج التحقيقات السعودية - التركية - الأمريكية حين تعلن قريبًا. وحتى ذلك الوقت يبقى إحساس عام بأن هناك شيئًا ما مشبوهًا وكريهًا، قد يشمل سبب حدوثه أطرافًا مستترة مستفيدة، والقصد منه إثارة فضيحة لها رائحة بشعة. وحتى كتابة هذا المقال لم تتضح كل التفاصيل.