محمد بن عيسى الكنعان
الحملة المسعورة ضد المملكة التي يقودها الإعلام المعادي، والآخر الانتهازي على خلفية مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي في تركيا (رحمة الله عليه)، يجب ألا تهز ثقتنا بـ(قيادتنا)، وألا تُشكك في مكانة (بلادنا)، وألا نسمح لها بأن تحاول العبث في وحدتنا الوطنية، أو تثير الفتنة بيننا، أو تحاول التقليل من الثقل الدولي، الذي تتمتع به بلادنا، أو المكانة الإسلامية التي تسمو بها مملكتنا، أو الريادة الإقليمية التي تتبوأها، حتى جعلتها عمق الخليج الاستراتيجي، ومحور القرار العربي.
لأجل ذلك؛ لابد أن نستذكر دوماً عظمة بلادنا، وأن تكون مضمون خطابنا تجاه من يعادينا، وألا نستغرب المكائد والمؤامرات ضدنا، فـ(كل ذي نعمة محسود)، خاصةً أن بلادنا تتمتع بخمس خصائص مهمة وجلية تُبرهن على عظمتها، أولها أن المملكة تُعد من أفضل نماذج (الوحدة الوطنية) في العصر الحديث - إن لم تكن أفضلها - قياساً بظروفها ومراحل تبلورها على يد المؤسس الملك عبد العزيز آل سعود (طيب الله ثراه)، حيث ولدت من رحم الألفة ولحمة المصير لقبائل متناحرة، وطوائف متباينة، ومناطق متباعدة؛ فصقلها أبو تركي في دولة حديثة وفتية برسالة واضحة وعلى مساحة شبة قارة، راسخة الأركان، شامخة الكيان، تعلوها راية الرحمن. واليوم والمملكة تلامس السحاب يدرك أبناؤها وبناتها الأهمية القصوى لهذه الوحدة العريقة وأثرها على جميع تفاصيل حياتهم وتطلعاتهم المستقبلية. وهذا يقودنا إلى الخاصية الثانية المتمثلة بـ(الثقافة السعودية) الخاصة، فهذه الثقافة المتميزة لم تتشكل تحت حراب الاستعمار، أو في أقبية الاحتلال، أو على موائد الاستشراق، إنما تشكلت مفاهيمها من ظروف الجزيرة العربية وأحوالها، التي مرّ بها الإنسان السعودية خلال أطوار الدولة السعودية منذ العام 1744م. فاكتسبت هذه الثقافة من أرضها العربية سماتها، النقاء في التعامل كنقاء المياه، والصلابة في المواقف كصلابة الجبال، وسياسة النفس الطويل كامتداد الرمال، والشموخ عند الملمات كشموخ النخيل.
ثالث الخصائص أن المملكة العربية السعودية بقيامها دولةً ذات هوية وسيادة ونظام، وظهورها على المسرح العالمي؛ قد أعادت المركز الحضاري للإسلام إلى الجزيرة العربية بعد أن تنقل عبر المسيرة التاريخية للأمة الإسلامية منذ العام 35هـ من العراق مروراً بسوريا وتركيا ثم العودة أرض الحرمين وهي بذلك قلب العالم الإسلامي، لذلك تحرص الدول الإسلامية الكبرى على علاقة جيدة معها. الخاصية الرابعة تتمثل في الثقل الاقتصادي للمملكة ليس على مستوى منطقة الشرق الأوسط، بل العالم أجمع، فهي لاعب مهم ومؤثر في أسواق النفط العالمية، والنفط لازال المحرك الرئيس للاقتصاد العالمي، كما أنها عضو في مجموعة دول العشرين، وهي محط أنظار المستثمرين العالميين بدلالة النجاح، الذي حققته مبادرة مستقبل الاستثمار في نسختها الأولى 2017م، وكذلك ما تحققه المبادرة - الآن - في نسختها الثانية 2018م من نجاحات على مستوى حجم الحضور والاتفاقيات الموقعة رغم حملة التشويه الإعلامية المستمرة. أما الخاصية الخامسة فهي تتجسد في قدرة المملكة الفذة على التكيف مع الأزمات وإدارتها، والتعامل مع التحديات وتجاوزها، وقضية مقتل خاشقجي ليست بتلك القضية الكبيرة، التي تحار المملكة في أمرها، أو تعجز عن إنهائها، فلقد مرّت بأزمات شديدة وعظيمة تقارب في حملاتها الإعلامية المسعورة هذه القضية، فهل نسينا المد القومي في عهد الملك فيصل (يرحمه الله)، أو الغزو العراقي الغاشم للكويت في عهد الملك فهد (يرحمه الله)، أو تداعيات أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001م عندما تم تجييش العالم ضد المملكة والإسلام بدعوى الإرهاب، وقد ذكرت في مقال سابق بعنوان: (السعودية.. فن تجاوز الأزمات) عن قدرة المملكة بهذا الشأن. في هذه الخصائص تكمن عظمة السعودية، التي تؤمن بربها وتثق بقيادتها وتعتمد - بعد الله - على شعبها الأصيل.