عبد العزيز الصقعبي
من خلال متابعتي لوسائل التواصل الحديثة، وبالذات تويتر والذي يحتل المركز الأول في المملكة العربية السعودية، وجدت الآلاف بل مئات الآلاف يمارسون الكتابة المختصرة والنقد وإبداء الملاحظات والتعقيبات والسخرية والحديث عن أمور خاصة وعامة، وأحياناً تافهة.
الكتابة والمشاركة أمر جيد، في السابق كان الناس يحرصون على الذهاب إلى المقاهي والمجالس وفي بعض الدول العربية وبالذات الخليجية «الديوانيات» ليتحدثوا ويناقشوا قضايا مختلفة سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية، الآن أصبح الفضاء الإلكترونية ديوانية كبيرة تجمع العالم ليدلي كل واحد بدلوه، المختلف هو أن الوسيلة في الغالب الكتابة، والصورة، ويأتي في الأخير الصوت، ولكن في البداية الكتابة.
نحن العرب علاقتنا بالكتابة وفق أربعة مسارات، دراسية لتعلم القراءة والكتابة ثم اكتساب المعرفة وتقديم البحوث والدراسات، وعملية من خلال ممارسة كتابة الخطابات الإدارية والتقارير والمحاضر والتوجيهات، واجتماعية من خلال كتابة الرسائل وخطابات عرض الحال والشكاوى، وأدبية من خلا كتابة الإبداع والدراسات الأدبية.
من النادر أن يكتب إنسان عربي عادي يومياته أو يكون لديه دفتر صغير ليسجل انطباعاته، ربما بعضهم يحب قراءة الصحف والتعقيب على بعض المقالات، ولكن على نطاق ضيق.
وحدثت الثورة المعلوماتية، حاسب آلي وفرصة للتواصل عبر البريد الإلكتروني، ثم مواقع المحادثات، وبعد ذلك المنتديات، التي اتجه إليها عدد كبير من مستخدمي الحاسب ليناقشوا قضايا مختلفة، وكان ذلك قبل أكثر من عشر سنوات، وأتاحت بعض المواقع إيجاد مدونات لتكون متنفساً لمن يهوى الكتاب لينشر ما لديه بناء على صعوبة النشر الورقي وآليته التي تحتاج لزمن طويل، وهنالك المواقع الخاصة بالأشخاص، وبالذات الأدباء الذين وجدوها فرصة لكي يصل لهم القارئ ويعرف كل شيء عنهم.
التواصل صار أقرب من خلال برامج المحادثات، وكانت «فضفضة السواليف» بين أناس اختاروا أسماء رمزية ليتحدثوا بحرية، و خطوة خطوة بدأت ملامح التغير في الفضاء السايبروني، لأن هنالك مواقع – وأنا هنا لا أدري هل أطلق عليها اسم مواقع أو برامج- المهم أنها قنوات سحرية شكلت العالم الجديد، بالتواصل، والبث الإعلامي، لخلق مشاهير جدد، ونخب مختلفة، فالشهرة انسحبت من العالم والمبدع والمؤثر سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، ليتوشح بها من أتقن استخدام «السوشيال ميديا» كما يطلق عليها الجميع، وهذا أمر سلبي ومزعج، لأن كثيراً من الحمقى في العالم أصبحوا مشاهير، أمر آخر وهو امتداد لما بدأت بالحديث عنه، وهو كل من يمتلك هاتفاً ذكياً، وبالجهاز مواقع التواصل الاجتماعي أو الإعلام الجديد، وهو من يتصفح تلك المواقع، سيكون شاء أم أبي أحد مرتادي ديوانية العالم الجديد، لابد أن يعلق ويشارك، لابد أن يكون حاضراً، كل هذا لا بأس به، ولكن بعض من يشارك في تلك الديوانيات يرتادها وهو عارياً ليس من ملابسه بل من الصورة التي عرفها عنه قراؤه إذا كان كاتباً أو مفكرا، أو مريديه إذا كان مسؤولا أو قائدا، وبالذات حين يفضل البعض الخوض في المستنقعات، لذا فكان لابد من الأمن السايبروني، ليضبط المشهد، ويعاقب المسيء والمختل، من جانب آخر هنالك المتصيدون للأخطاء، ديوانية العالم الجديد فتحت الفضاء للحوار والمناقشة، ولكن ضمن حدود يجب ألا يتم تجاوزها.
لنفكر قبل أن ندخل إحدى هذه الديوانيات أو مواقع التواصل الاجتماعي، هنالك آلاف يرددون مقولة سقراط «تكلم حتى أراك» وبالطبع هؤلاء البشر من كل الأجناس والأعمار والطوائف والملل، مهم أن يتخيل المشارك نفسه وهو لابس أحسن هندام نظيفاً داخلياً وخارجياً قبل أن يلج تلك المواقع، تشوهت صور كانت جميلة لأنها لم تحسن لبس هندامها قبل أن تتحدث، من جانب آخر لم تبحث عن ديوانية خالية من المستنقعات بل بها كل مفيد، تقدم المعلومة، وترتقي بالحوار، وتعرض المواقف الإنسانية، وتبهج، أجل تبهج، ما أحوجنا إلى ذلك.