د. صالح بن سعد اللحيدان
في هذا الباب من هذا المعجم (معجم موازين اللغة) أطرح كلمة لها مساس قوي بآراء النشوء والارتقاء، وذلك بعد دراسات علمية في مجال الحفريات الكربونية ومقاييس الزمن البعدي (بضم العين)، تلك التي رأت أنه لا بد للعالم أن يدرك حقيقة هذه المسألة من وجهة نظر تجريبية بحتة، مما يعد إخفاء لحقيقة هذه المسألة، ولاسيما بعد أن أوجع وخز الضمير بعض الذين عملوا على هذه المسألة الفرضية حتى صرحوا بعد تأمل طويل بأنها فرية، لكنها تلبست بلباس العلم حيناً من الدهر، ولاسيما ودارون نفسه لم يذكر في كتابه (أصل الأنواع) ولا في انحدار الإنسان، ولا في غيرهما، أن أصل الإنسان قد انحدر من سلالة أخرى، لكنه جاء بفرضية التشابه كحال الأرنب والوبر والجمل والزرافة والحمار والبغل والحصان.
فهل يقتضي هذا التشابه القوي أن بعضها قد انحدر من بعض؟
هذا ما سوف أبينه هنا بعد طرح لأصل هذه الكلمة، وذلك من باب التدرج حسب مقتضاها ودلالتها،
فأذكر على سبيل الاقتضاب أن:
1 - حلقة: والحلقة بالتنكير والتعريف يراد بهما الشيء الدائر أو المستدير.
2 - وحلقة من معانيها إزالة.
3 - حلقة: يراد بهذا حلق الإنسان مجرى الطعام والشراب.
4 - حلقة: حلقة الأذن تجعله النساء في الأذن.
5 - حلقة: دائرة ليست تامة، وإنما ذلك من باب التغليب.
6 - حلقة: من الحلق إزالة الشعر، شعر الرأس، والفاعل حلاق على وزن فعال.
7 - الحلقة: حلقة طلب العلم يقال يتحلقون يجتمعون.
8 - وحلق: بتشديد اللام طار، ويحلق يطير.
9 - وحلق: أبعد في البحث والنظر حتى وقف على وجه المسألة.
10 - وتحلق الطير إنما يراد بذلك تطير مرتفعة.
11 - وحلق الحصان أسرع أشبه ما يكون بالطيران.
قلت: ولهذه الكلمة معانٍ كثيرة، تركتها خشية الطول.
أما الحلقة المفقودة فهذه الكلمة إنما يراد بها - حسب المقاييس العلمية - حلقة من حلقات السلسلة قد فقدت.
والذين تراجعوا والذين بحثوا عن أصول النشوء والارتقاء - وهم بعيدون عما يتخيله العقل الافتراضي بعد تأمل طويل وتجرد لذات العلم - وجدوا خلال الأحافير وبقايا الإنسان في جزر الملايو وغيرها أن هناك حلقة مفقودة بعدما حللوا ووازنوا الأنسجة وأصول الوجود الإنساني والحيواني فلم يجدوا شيئًا طيلة مئة عام أو تزيد.
ولكن من المفاجأة أنهم عثروا على عملية تركيب أسنان ولثة لحيوان مركبة على جمجمة إنسان متشابهة جدًّا لولا فروق الزمن؛ فالجثة للإنسان وعمرها قرابة 400 عام، أما اللثة والأسنان بعد تحليلهما كربونياً وإجراء اختبارات عدة، وجدوا أنهما منذ قرابة 70 أو 73 عامًا، كما عثروا على أصول تثبيت اللثة والأسنان بالجمجمة مما دل على التزوير لكن بطريقة مدروسة وباحتراف كبير.
والذين قالوا بهذا الرأي وزعموا أن أصل الإنسان من سلالة الشمبانزي قد صدموا في أصل ما سعوا إليه؛ إذ إن دارون نفسه أو داروين قال إن هناك تشابها بين هذا وذاك.
فمعقد القول إن الحلقة المفقودة لا وجود لها أصلاً،
ويلزم من هذا أن أصل القطار قد تطور من عربة كبيرة، وهذه من عربة صغيرة.. وهكذا.
وإن المعز من الشاة، والشاة من المها، والمها من البقر، ثم تم التطور.. وهكذا.
وهذا ما لا يمكن.. كونه - نعم - هناك تشابه شديد بين المعزة والشاة، وبين الزرافة والجمل، لكن لا أحد يقول بالأصل.
وهناك تشابه بين الديناصور وبعض الأسماك، كبعض القروش، ولم يقل أحد بالتطور الانتقالي بدليل مادي حسي ملموس، لكنه تخمين وظنون.
وهذا مني - على سبيل الاختصار - وقد يغني قليل القول عن كثيره على شاكلة ما بثه الحكماء من نوافل الألفاظ وقواعد الحكم نصاً مرقوماً على سبيل مقيم عبر القرون الطوال.