محمد عبد الرزاق القشعمي
اتضح مما أشار إليه الشيخ حمد الجاسر من كتاباته القديمة وغيره من كتاب جريدة (اليمامة) أن الرياض لم تعرف المكتبات العامة والخاصة إلا متأخرة، فمن المكتبات الخاصة التي ذاع صيتها مكتبة الأمير مساعد بن عبدالرحمن، ومكتبة الأمير عبدالله بن عبدالرحمن أخوي جلالة الملك عبدالعزيز – رحمهم الله – ومكتبتي العالمين المعروفين الشيخ حمد بن فارس والشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ مفتي المملكة.
أما أول مكتبة عامة تأسست في الرياض فهي (المكتبة السعودية) التي افتتحها ولي العهد الأمير سعود بن عبدالعزيز في ربيع الآخر سنة 1372هـ يناير 1953م في حفل كبير بوسط الرياض وبجوار مسجد الشيخ محمد بن إبراهيم بحي (دخنة).
أما أول من طالب بتأسيس مكتبة وطنية فهو الأستاذ عمران بن محمد العمران الذي كتب في العدد (88) من جريدة اليمامة الصادرة في 23 ذي الحجة 1376هـ 17 يوليو 1957م مقالا تحت عنوان: (متى تنشأ دار الكتب السعودية) ويقصد بدار الكتب السعودية مكتبة تقام في الرياض على منوال دار الكتب المصرية.
أعقب ذلك بمقال آخر في العدد (103) الصادر في 8 /6 /1377هـ الموافق 1 /1 /1958م).. جاءت افتتاحية العدد بعنوان: (دار الكتب وأمانة الرياض) يقول فيه: «في الأسكندرية.. بمصر.. دار ضخمة تضم بين حيطانها مكتبة كبرى عامرة بمختلف أنواع الكتب في شتى الفنون والموضوعات.. فيها المخطوط والمطبوع.. والقديم والحديث.. والمراجع الكبرى وكتب الجيب الدورية.. ولها موازنة سنوية وموظفون يقومون بشئونها.. ويضم إليها كل عام مئات الكتب والمجاميع.
وكل هذا شيء عادي.. بيد أن ما يسترعي الانتباه ويبعث على الإكبار أن تقوم بلدية الأسكندرية بإنشائها وتغذيتها والإشراف عليها.. نعم (بلدية) الأسكندرية.. لا وزارة الأوقاف.. ولا وزارة التربية والتعليم.. ولا أي مؤسسة ثقافية.
وقد وجدت في هذا ما يشجعني على كتابة هذه الكلمة إلى أمانة مدينة الرياض.. آملا من سمو أمينها إعارة هذا الموضوع ما يستحقه من اهتمام».
واختتم كلمته بقوله: «.. نحن نريد من أمانة الرياض أن تسبق في هذا المجال، فتحظى بشرف تقدير العلم والمتعلمين وإثارة إعجابهم.. في خدمة الفكر والعقل.. إنه رجائي لسمو الأمير الجليل (فهد الفيصل آل سعود) فحققه خدمة لبلادك ومواطنيك، وثق أن هذا الأمر سيسجل لسموكم ولأمانة الرياض بأحرف من نور في سجل الخالدين..
حققه.. يا صاحب السمو فإنك بذلك تخدم أجيالا وتحرر عقولا وتبعث مجدا. حققه، فليس ذلك على سموكم بعزيز».
وبعد أقل من عام يتحقق هذا الرجاء وينفذ المشروع في حي الملز ويطلق عليه اسم (دار الكتب السعودية) ويفتتحه جلالة الملك سعود يوم الخميس 2 /5 /1377هـ الموافق 13 /11 /1957م. ولكن المشكلة في مقره إذ يقع بعيدا عن مركز المدينة ولا يحظى بالمأمول منه وقل مرتادوه مما أصبح مقفلا وطالب البعض بضمه للجامعة عند نشأتها، وهكذا كان فقد ضمت لوزارة المعارف ثم إلى جامعة الملك سعود، واستمرت بعد ذلك منهلا لطلاب الجامعة حتى انتقال الجامعة إلى مقرها الجديد في الدرعية فأصبحت مكتبة لطالباتها إذ أقيمت مباني الجامعة السابقة ككليات للبنات في الملز.
أما المكتبة الحالية (مكتبة الملك فهد الوطنية) فقد جاءت فكرتها بعد هذا التاريخ بنحو ثلاثة عقود، فعند تسلم خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز – يرحمه الله – مقاليد الحكم عام 1402هـ فكر بعض أهالي الرياض بإقامة حفل كبير يليق بالمناسبة وعرضوا هذه الفكرة على صاحب السمو الملكي أمير منطقة الرياض الأمير سلمان بن عبدالعزيز (وقتها)، الذي رحب بالفكرة. وعندما استأذن سموه من الملك فهد اعتذر شاكراً لهم حسن مشاعرهم وطالبا توظيف هذا المبلغ أو قيمة هذا الاحتفال بما يهم البلد ففكر سموه مع الأهالي وأمين مدينة الرياض وقتها الشيخ عبدالله العلي النعيم فوجد أن الرياض كعاصمة تحتاج إلى مكتبة عامة تليق بها.. فبدأت الاستعدادات وشكلت اللجان واختير الموقع وبدأ التشييد والبناء يرتفع.. وتولى الأستاذ الدكتور يحيى بن محمود بن جنيد مع مجموعة من المكتبيين المشهورين في المملكة الاستعداد.. وتولى الدكتور يحيى بن جنيد (الساعاتي) جمع الكتب والمخطوطات من المكتبات الخاصة والعامة.. وعند اجتماع اللجنة العليا قبيل اكتمال المبنى والاستعداد للانتقال له اقترح عضو اللجنة الأستاذ الدكتور عباس صالح طاشكندي تحويل المشروع إلى دار كتب وطنية أسوة بما هو في الدول العظمى وكجهة معنية بحفظ الإنتاج الثقافي وإلزام المؤلف والناشر بإيداع نسختين من كل مطبع حتى لا يضيع هذا الإرث ويندثر كما ضاع غيره.
وهكذا بدئ في تنفيذ مشروع المبنى في عام 1406هـ واستحسن سمو أمير منطقة الرياض تحويل المسمى من مشروع مكتبة الملك فهد إلى مكتبة وطنية للمملكة.
صدر قرار مجلس الوزراء الموقر في 6/5/1410هـ بالموافقة على نظام مكتبة الملك فهد الوطنية وهيكلها الإداري.
وتهد ف المكتبة إلى اقتناء الإنتاج الفكري وتنظيمه وضبطه وتوثيقه والتعريف به ونشره، ومن مهامها: جمع كل ما ينشر داخل المملكة، وما ينشره أبناؤه خارجها، وما ينشر عنها، وما يعد من الموضوعات الحيوية لها من إنتاج فكري عالمي.. إلخ.
هذا وقد تم صدور نظام الإيداع بالمرسوم الملكي الكريم رقم (26/م) في 7 /9 /1412هـ الذي تم بموجبه ابتداء من العام 1414هـ تسجيل كل ما نشر داخل المملكة من أوعية المعلومات، وتثبيت رقم إيداع ورقم معياري عالمي عليها والحصول على نسخ منها وإيداعها في المكتبة.
وقد بدأت المكتبة فعلا تغطي الإنتاج الفكري الوطني الصادر منذ بداية الطباعة في الحجاز سنة 1301هـ مما تقتنيه المكتبة إلى جانب إصدار الكشافات الببليوجرافيات والدراسات والمراجع المتخصصة بمصادر المعلومات السعودية. كما صدرت مجلة نصف سنوية متخصصة ومحكمة باسم (مجلة المكتبة) من عام 1415هـ ونشرة أخبار المكتبة تصدر فصليا.