مفاوزٌ بين أضلاعي وأنهارُ
ولجةٌ مازجتها في الحشا نارُ
وجنة أثمرت بشْرا فطاف بها
في غفلة تحت جنح الليل إعصارُ
وقد تبدّل زرع الأنس إذ نفشت
فيه الحوادث فاجتالته أكدارُ
يا رُبَّ دمعٍ جرت في الصدر أنهرُه
والعين لم تدرِ أنّ الدمع مدرارُ
تساءلوا برهةً لما أرَقتُ لهم
دمعي.. فَسِرت وهم في دربهم ساروا
«قذىً بعينك أم بالعين عوّارُ
أم ذرّفتْ إذ خلت من أهلها الدارُ»
وما وقفتُ على الأطلال أندبها
كلا ولم يُبكني بالحرص دينارُ
ولا الأماني التي أمّلتُ تأسرني
وكيف تأسرني والدهر أقدارُ؟
وما حفلتُ بليلى والديار ولا
ليلى درت بيَ كي يجترّ تذكارُ
لكن تذكرتُ أياما فوا حَزَني
ذكرى تؤرقني والليل أخبارُ
ولا تَلُمْ عاشقا يبدي صبابته
إنْ لم تذق ما به.. فالعشق أسرارُ
كنا صغارا وساح البيت مرتعنا
واليوم مرتعنا بيْدٌ وأقطارُ
ومنتهى همّنا إذ ذاك أحجيةٌ
والعقل في حلّها يُجدي ويحتارُ
فما لنا اليوم تعيينا حوادثنا
وأقفرت من ثمار الفهم أفكارُ؟!
أيا سقى الله رحْبا كان يجمعهم
وأوردَ الماءَ رملا فوقَه ساروا!
بالأمس كم خطوة في الأرض قد غرسوا
لتَنبتَ اليوم للتذكار أزهارُ
مدحي وإن طال لا توفيه قافيتي
وهل يضاهي شعاعَ الشمس إسفارُ؟!
هي الطفولة فلْتقنع بأحرفها
وإن أبيتَ فما تكفيك أسفارُ!
مَن يبلغ الصحبَ أني بعد فرقتهم
كطائر والسما برقٌ وأمطارُ
يمضي وحيدا فلا الأشباح تصحبه
في نأيه ..والمدى طولٌ وإقفارُ
أو زورقٍ رافق الأمواجَ مرتقباً
إذ بالشواطي بداياتٌ وإبحارُ!
الدمع في صدره والبحر أسفله
كلاهما قاتلٌ.. والبحرَ يختارُ!
تمضي السنينُ كأعدادٍ تمر بنا
نكاد في عِدة الأعمار نحتارُ
والعمر-إن شئت فيه الحق- ليس سوى
ما أنجز المرءُ.. فالأعمار إعمارُ!
نحو السماء تسير الناطحات بنا
ونحن أكثرنا يغريه إحدارُ
يا نفس أين جمال الروح... غادرَنا
أم أنه حاضرٌ تخفيه أستارُ؟!
إني لأسمع صوت الطفل في خلَدي
فيجفل الشعر بي والدرب أسوارُ
وأمتطي صهوة الذكرى وقافيتي
تسابق الصدر والأوراق مضمارُ!
أنا هنا.. لا غروب الأمس أمهلني
ولا شروق غدي تُثنيه أعذارُ
وساعتي قرب ماضٍ ليس يفصلها
إلا تطاير أفراخ.. وقد طاروا!
** **
- منصور إبراهيم الحذيفي