وإذا كان شاعرنا محبا لقريته (القارة) ومحافظته (الأحساء) فهو أكثر حبا لوطنه (المملكة العربية السعودية) فقد تغنى بجمال مدنها التي كتب فيها قصائده. ففي قصيدة (عزف القطار) - وهي نثرية - اختتمها بأبيات عمودية جميلة، يقول [ص30]:
أرى العواصم في شغل وفي كلف
تقاوم الزمن المشـحون بالمحن
تنام فوق انفجارات وأسلحة
وتستفيق على موت بلا ثمن
أما الرياض فقد شدت سواعدها
تعلي البناء وتعلي صورة الوطن
ويتسع قلبه كذلك ليشمل الوطن العربي الكبير، فيتغنى في ديوانه بعدد من المدن العربية التي زارها صادحا بشعره في مهرجاناتها. ففي قصيدة (الزيدونية) - وهي التي جارى فيها نونية ابن زيدون - يقول [ص56-57]:
يا فارس النون هل أنبيك عن وطن
يُرثى له ويعيش الدهر تأبينا
بـه المواطن مشغول بمحنته
يجتر تاريخه.. يجتر ماضينا
مواطن عربي ليس ذا خطر
يمسي ويصبح مسحوقا ومطحونا
ويقارن بين ما ضيع ابن زيدون وما ضيعنا بعده:
يا فارس النون إن ضيعتَ أندلسـا
فقد أضفنا إلى البلوى فلسطينا
ضاعت فلسطين بل أمسى تذكرها
خرافة وهراء ليس يعنينا
وحين استكمل وصف البلاد في قصيدة (تونس قصيدة ذهبية) لم ينس الهم العربي فقال [ص110]:
أيها العاثون في الأرض دما
وفسادا في ديار العربِ
كم بريء قد قضى من نسفكم
بحزام دون أدنى سبب
في بيوت الله.. في أيامه
مزج الذكر بموت مرعب
ولشاعرنا عناية خاصة بقصائده فهو يعود إلى ما كتب حتى بعد سنوات ليعدل أو يضيف، وقد يضطره لذلك تتالي الأحداث؛ خاصة في قصائد الغزل، فقد يَتبع اللقاءَ وداع ثم استقبال ثم فراق وعتاب، وليرجع من شاء إلى قصيدة بثينة [ص61] التي كتبها على ست مراحل، وقصيدة فوز [ص89] التي كتبها على ثلاث مراحل في سنة ونصف.
والجلواح يحب تجربة ما برع فيه السلف، ففضلا عن المعارضات؛ جرّب كتابة قصيدة مهملة الحروف - أي غير منقوطة - عنوانها (حلم كالماء) [ص150]. ومما برع فيه توزيع اسم العلم موضوع القصيدة على بدايات أبياتها بحيث يمكن للقارئ الوصول إلى الاسم المعني بأخذ الحرف الأول من كل بيت وضمه إلى الذي يليه، وقد نجح في هذا الباب لا سيما في باب الغزل.
ومن صنعته الشعرية التنويع في بحور القصيدة الواحدة وقوافيها إذا تعددت أجزاؤها، وخير شاهد على هذا قصيدته (فصول في حفيدة الأندلس) [ص102] فهي من ثمانية مقاطع خاض فيها بحور السريع والطويل والوافر ومجزوئه والمتقارب ومجزوء الرمل بالإضافة إلى مقطعين من شعر التفعيلة.
ومن جميل ما لحظته في شعره تعدد المعطوفات مثل قوله في قصيدة الزيدونية [56]:
في ساحة الشوق ما زالت مجلجلة
حفظا ولحنا وتمثيلا وتدوينا
وقوله في قصيدة أخرى [ص30]:
ثلاثون عاما والمواساة تكتسي
بهاء ومجدا واستباقا وسؤددا
ومن صنعته ما يعرف لدى البلاغيين بـ (الترصيع) وهو تتالي جملتين متماثلتين أو أكثر في البيت الواحد كقوله [ص56]:
أجواؤها عجب، آهاتها شهب،
والحل منسكب، مسكا ونسرينا
وقوله [ص83]:
بهاء يطلُّ، وسيف يسلُّ،
وعقل يدلُّ على الأنسنة
وقد حاول شاعرنا ترتيب الديوان ترتيبا موضوعيا بحيث تتجاور القصائد المتجانسة فقصيدة (حبيبتي الكويت) [ص147] تلتها قصيدة (هدية العاشق) فـ (دولة الكويت) ثم تحيته للسيد هاشم الشخص المدير العام التنفيذي لمؤسسة الإنتاج البرامجي المشترك، وأخيرا مرثيته لحسين عبد الرضا.
وكثيرا ما يوظف شاعرنا المفردات المحلية في نصه توظيفا جميلا كقوله في قصيدة (حائل) [ص69]:
(يا بعد حيي) وما أحلى إذا عزفت
من حائلي لدان أو إلى ناء
وفي (تونس قصيدة ذهبية) يقول [ص111]:
غرَّدت (برشا) وقد ساءلتها
هل هو الحب؟ أجيبي واكتبي
ومما أراه من حسنات شاعرنا أنه لم يقسم الكلمة بين الشطرين في الأبيات المدورة - كما اعتاد غيره من الشعراء - معتمدا على حس القارئ كقوله [ص49]:
نغمة من سعفات النخل
من همس الغناء
أشرقي كي يبسم الكون
وينزاح العناء
ومن سمات شعر الجلواح العودة بالبيت الأول أو شطره ليختم به قصيدته كما فعل في قصيدة (الإمارات) إذ أعاد البيت الأول كاملا ليختم به القصيدة [ص108]:
أإماراتٌ نعم لكنها
لؤلؤات سبع في عقد جمان
وفي قصيدة (خلاصات العلوم) اختتمها بالشطر الأول من البيت الأول (أقم في ربوع العلم للعلم مأتما)[ص47].
ولا بد لكي أكون منصفا أن أقف على هنات يسيرة قد تكون أسبابها كثرة المراجعة - لا قلتها - فقد يعيد الشاعر كتابة النص فيسقط عند الإعادة جملة أو حرف أو حركة، أو يتغير موقع الكلمة في النص اللاحق عنه في السابق. فمن ذلك أنه لم يبين لنا موضع (مسدن) التي وردت في بيت الشعر التالي [ص89] مع أنه لم يغفل موضعا غير معروف إلا بين موقعه:
فإن كنتِ في الأحساء جسما وصورة
ففي (مسْدن) روحي تحن إلى العيد
ومما لاحظت عدم اعتناء شاعرنا – أحيانا - بعنوانات قصائده، وإطالة العنوان مع أننا عرفنا عن شاعرنا اختصار عناوين دواوينه في كلمة واحدة مثل (بوح) و(عزف) و(قوارير). فقصيدة (الإمارات العربية المتحدة عقد جمان) [ص108] أظن العنوان سيكون أجمل وأكثر تشويقا لو اكتفى بـ (عقد جمان) ومثل هذا يمكن أن يقال عن قصيدة (جببوا الليلة في عرس مآب) [ص116] لو اكتفى بـ (مآب)..
واستغراقه في قصيدة (عد راشدا) التي كتبها في حفل تكريم مسؤولي وكالة الشؤون الاجتماعية جعله يتنقل بين تفعيلة (مفاعيلن) إلى (مستفعلن) فتنتقل الأشطر بين بحري الهزج ومجزوء الرجز، مثل قوله [ص38]:
ولا فعل يؤدى
إلا بسوء نية
والمشتري رهين
وصيد وضحية
وفي [ص102] نجد بيتا من الكامل تصدر رباعية من الطويل:
أما الحفيدة فالنهار بها بـدا
سحرا وماء واخضرارا (و) سوسـنا
يحايلها عطفا ليقبس قطعة
من الضوء كي يبقى إلى الناس معلنا
وفي قصيدة (أريدك أنثى) انتقل من الخطاب إلى الغيبة في قوله [ص44]
أريدك أنثى تشعلين غرائزي
وتنعش آمالا بقلبي عامرة
ولو قال (وتحيين) بدلا من (وتنعش) في الشطر الثاني لاستقام المعنى
ولم يتنبه إلى أن بناء الفعل (توارى) على حذف حرف العلة في البيت التالي [ص116]:
أيها الحزن (توارَى) وابتعد
واقترب يا فرحنا بعد غياب
ومن الأخطاء الطباعية - وهي نادرة - سقوط التاء المربوطة في كلمة (الحبيب) في البيت التالي [ص56]:
فلا (الحبيب) ردَّت بعدما علمت
ولا الهوى قد توارى بعدها حينا
وأخيرا أبارك لشاعرنا هذا الإنجاز، وأقول له: كن دائما - كما وصفت نفسك - (طائرا يشدو على فنن)!
** **
- سعد عبدالله الغريبي