د. عبدالرحمن الشلاش
تغير لهجة الخطاب المنبري خاصة منبر الجمعة وتحوله للرفق والتسامح والارتباط بمشكلات الحياة اليومية حلم هل بدأ فعلا بالتحقق؟
نسمع عن خطب تركز على الصحة العامة وسبل المحافظة عليها، وخطبة للحديث عن زراعة الأشجار والمحافظة عليها والحفاظ على البيئة، وعن حوادث السير وإزهاق الأرواح البريئة والتحذير من الفساد والتبذير، وبين وقت وآخر نسعد بتناول بعض الخطباء موضوعات تهم الوطن والدفاع عنه والرد على أعدائه من المرتزقة والمأجورين وأصحاب التوجهات الخبيثة والضالة والمعادية والعيون الخائنة وتحذير جموع المصلين من الانسياق خلف الناعقين وتوعيتهم بما يحاك لبلادهم في الخفاء.
هل نحن على أعتاب مرحلة جديدة سماتها الفكر المنفتح ونبذ التطرف والتحزب، بصناعة منابر تدعو للوحدة والتسامح ونشر منهج الاعتدال؟ وهي مرحلة تحتاج لعمل مضن يختلف عن كل ما سبق، حيث يحتاج لأدوات بشرية مختلفة تمتلك قدرات عالية تحمل هم الوطن والمواطنين وتدعو لبناء مجتمع مسلم وطني مترابط ومتماسك يقف بكل غيرة أمام كل من يريدون الشر لهذا الوطن.
الخطاب المنبري مر عبر سنواته الماضية بمراحل متقلبة أدت إلى نتائج كانت عواقبها وخيمة نظرًا لما تضمنه هذا الخطاب إما تصريحًا أو تلميحًا من تأصيل للتطرف وتحريض على الكراهية والعنف والانضمام عنوة لعصابات الإرهاب والقتل والدمار ودعوات لتصنيف وتقسيم المجتمع، ولم يكن هناك قوة دامغة لدعوات هذا الفكر الأممي المأزوم الذي يتناسى بل يتجاوز عمدًا قضايا المجتمع داخل الوطن وهمومه معتبرًا إياها أمورًا هامشية ليدعو لدعم المجاهدين المرابطين في الثغور في خلط عجيب ومقصود بين من يقاتلون لتحرير أوطانهم وجماعات إرهابية من خوارج هذا الزمان. قضايا الناس وما يصلح معاشهم وعلاقاتهم لم تكن تحظى إلا بإلماحات يسيرة. كان خطابا مشحونا ومأزوما لا يعزز تسامحًا ولا يدعو لاعتدال ووسطية ولا يدين إرهابيًا سفاحًا لأنه من ذات التوجه والمنهج، ولا يوجه للاحتراس من خطورة الانقياد لجماعات التكفير والقتل والعنف وبطرح مخالف لمنهج الإسلام الصحيح.
الأمنية مع التحول الجديد أن يقوم الخطاب الديني الوطني على ركائز ومنطلقات أولها مبادئ الإسلام السمحة المتمثلة في السلام والتسامح والعفو والحب ونبذ الكراهية والعنف، وتوطيد العلاقات الحميمية بين أبناء المجتمع الواحد وبكافة مذاهبهم وأشكالهم وألوانهم، ومنع تداول أي مفردات بغيضة تؤصل التفرقة بين طوائف المجتمع وفئاته. أما ثانيها فيرتكز على المبادئ الوطنية الراسخة التي تدعو الجميع للعمل المخلص في كافة الاتجاهات لبناء الوطن والنظر إليه على أنه شيء مقدس لا يجوز المساس به، وتأصيل ثقافة حقوق المواطن وواجباته ضمن النظام الذي رسمته الدولة. أما ثالث الركائز والمنطلقات فتتمثل في غرس مبادئ التعامل الحسن مع المخالفين داخليًا وخارجيًا وبما يظهر السماحة دون إفراط ولا تفريط.