د. خيرية السقاف
الحكيم راشد، متأمل، متدبر، حين تستدعيه موجِبة لا يندفع كالسيل،
ولا يجمُد كالصخر،
وإنما يكون كحبل اليقين يمدُّ حتى يصل، ويلفُّ حتى يحتوي،
ويطول لا ينقطع، ويقصر لا يتأخر..
الحكيم صديق الوقت، رفيق الأناة، سيد القول..
والحكمة عطيَّة إلهية، يخص بها الله تعالى من أوتي عقلا راجحا، وقلبا تقيا،
وذهنا صافيا، ونفسا أبية تعصى على الشهوات..
يكسبها من يسعى متدبرا، ويخلص واثقا، ويعمل صادقا، ويأنف الدنيئة نقيا،
ويعلو فوق الشبهة مطهَّرا..
الحكيم يعمل على مداركه حتى تتسع، وعلى مشاعره حتى تنقاد لعقله،
وعلى نفسه حتى تتجرد من ذاته..
الحكيم طيف نادر في معمعة دنيا تضطرم بإغوائها، وتلتهم بأضوائها،
وتغري بملذاتها، وتوقع في شهواتها..
الحكيم كالضال في الفلاة، والناجٍ من الموجات..
ترى، في هذه الدنيا، العجيبة الغريبة أي شط مآله،
وأي فلاة منتهاه،
وأي قافلة تقلُّه،
وأية محطة يلوذ إليها؟!..
ثمة حادٍ بعيسِ الحكماءِ يترنَّم في المسير،
يُذهب عنهم وحشة الفلاة،
ويصد عنهم دفقَ الموجات..
إنهم باقون ضياءً في الغسق..
الحكماء باقون !!..