أ. د. خلف بن حمود الشغدلي
خلال الأيام التي مضت شُغل العالم -ولا يزال- بحادثة الصحفي السعودي/ جمال خاشقجي -عفا الله عنه-. ولي مع هذه الحادثة المؤلمة وقفات عدة، ولاسيما وقد تكالب أعداء الوطن وحاسدوه، وأكثروا الخوض والتشنيع. وأقول: والله لو انقلب كل الناس إلى كنَّاسين ليثيروا التراب على السماء فإنما يثيرونه على رؤوسهم وأنفسهم، وستبقى السماء ضاحكة السن، بسامة المحيا، ولن يضر السحاب نبحُ الكلاب.
وما حصل لا شك منكر، وقد أساء إلى الدولة؛ لذا عزَّت القيادة أهله وذويه، وتعهدت بتقديم المتورطين للقضاء.
الوقفة الأولى: يتبين في هذه الحادثة جليًّا أهمية استحضار النصوص الشرعية من الكتاب والسنة بإجلال ولاة الأمر، والنصح لهم، وحرمة الخروج عليهم ومنازعتهم، فإنها تفضي إلى شر عظيم مع ما فيها من إهمال النصوص؛ فالمنازعة محرمة، ولها عواقب وخيمة وشؤم على الفرد والمجتمع.
الوقفة الثانية: الصحفي جمال خاشقجي -عفا الله عنه- قد تسنَّم واعتلى العديد من المناصب الصحفية والاستشارية، وكان من أهل الجاه والأموال، وقد أُكرم غاية الإكرام، فما الذي جعله يخالف سياسة حُكّامه؛ فيخرج ويناكف بلاده؟ أهو الهوى الحزبي؟ أم الاستكثار من الخصوم؟
الوقفة الثالثة: أعلن ولي الأمر خادم الحرمين الشريفين -حفظه الله- أوامر ملكية عدة، فيها يتجلى الصدق والشفافية، والحزم والعدل، والبراءة من أخطاء بعض المسؤولين، وإحالتهم للتحقيق.
وقد حدث في فتح مكة زمن النبي -صلى الله عليه وسلم- أن أخطأ خالد بن الوليد -رضي الله عنه- لما دعا بني جذيمة للإسلام، فلم يحسنوا أن يقولوا: أسلمنا، فجعلوا يقولون: صبأنا صبأنا، فجعل يقتل ويأسر، ودفع أسراهم إلى أصحابه ليقتلوهم، فأبى ابن عمر رضي الله عنهما، وقال: والله لا أقتل أسيري.. فعلم النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: «اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد». وبراءة ولي الأمر من الآثام وأخطاء بعض المسؤولين ترفع عنه معرة الجُرم.
الوقفة الرابعة: أراد الأعداء والمتربصون أن يشنعوا بهذه الحادثة، فحدث خلاف مقاصدهم الشريرة، وصارت مثالاً حيًّا لعزم خادم الحرمين وحزمه، وإعلانه الحقائق أمام العالم، وقطعت أوامره الكريمة كل طريق على الأعداء والمتربصين والمتاجرين بقضايا الأمة.
الوقفة الخامسة: هناك قاعدة عظيمة يجب أن يعلمها الناس، وأن يبينها أهل العلم؛ فهي تعني الراعي والرعية، والحاكم والمحكوم، ألا وهي قوله جل وعلا: {وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً}. فالواجب على الناس أن يردوا هذه الأمور لأهلها من ولاة الأمر والحكام، ولا يجوز الخوض بلا علم. وقد نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من قيل وقال، وفي الحديث: «من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه». والعاقل المتأني قليل في الناس، وصدق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين قال: «الناس كإبل مائة، لا تكاد تجد فيها راحلة».
الوقفة السادسة: خطورة مخالفة الرعية والناس للراعي والحاكم؛ فإن الصحابة -رضي الله عنهم- في غزوة أُحد خالفوا أمرًا واحدًا، وحصل ما حصل من الضرر والفشل والقتل والجراحات مما هو معلوم.
لهذا يجب امتثال الأوامر، والدقة فيها، ورعايتها، والتأكد من ولي الأمر في كل أمر، ولاسيما الأمور العظيمة التي تتعلق بالدماء وعلاقات الدول.
الوقفة السابعة: الأعداء والمتربصون أكثروا التباكي والعويل على هذه الحادثة.
وأين هذا التأثر والنكير من القتلى من الصحفيين في الغرب والشرق وحتى تركيا؟ بل قد قُتل رؤساء دول كالحريري -رحمه الله-، ومعلوم من قتله؟ والرئيس القذافي قُتل وهو أسير من دون محاكمة، ومعلوم من قتله.
بل أين الضمير العالمي والإنسانية وحقوق الإنسان -كما يقولون - من الملايين الذين قُتلوا من المسلمين، وشُرّدوا فيما يسمى بالربيع العربي، أو أنه كما يقال: وراء الأكمة ما وراءها؟!
فالمقصود عند المنتفعين والمتربصين والطامعين هو المملكة العربية السعودية بذاتها.
الوقفة الثامنة: ما الذي ميّز دم هذا الرجل من دون ملايين المسلمين الذين تسبب في قتلهم حكامُ قطر المفسدون، ورؤوس الإخوان المفلسين، ومنظرو الثورات في الغرب؟ هل هو مُقدّر عندهم، أم عميل لهم؟
الوقفة التاسعة: لماذا أكثر هؤلاء الأعداء في حادثة جمال -عفا الله عنه- ورددوها، مع أن القاتل سعودي، والمقتول سعودي، والأرض سعودية، والنيابة سعودية والقضاء سعودي؟ أم أنهم يتصيدون على المملكة؛ ليوقفوا مشروعها الفاعل في المنطقة، بل العالم أجمع.
الوقفة العاشرة: لا تزال جماعة الإخوان المسلمين وحزبهم المفلس سبب شر على هذه الأمة، يركبون من كل الأعداء، ويحشدونهم على حساب أمتهم، وخير شاهد هذه الحادثة.
الوقفة الحادية عشرة: هذه الحادثة كشفت المتربصين والأعداء والمنافقين والمحايدين في قضايا بلادهم، والحياد مع قضايا الوطن خيانة.
الوقفة الثانية عشرة: اختيار خير الشرين، وأهون المفسدتين، قاعدة عظيمة لا يستغني عنها حاكم. قال عمرو بن العاص - رضي الله عنه -: «ليس الفقيه الذي يعرف الخير من الشر، بل الذي يعرف خير الشرين». التي هي دفع أعلى المفسدتين بأدناهما.
الوقفة الثالثة عشرة: كثير من المبرزين والنخب - كما يُقال - في هذه الحوادث والفتن قد يكون لهم أثر سلبي، وذلك بتضخيم الأعداء والتخويف منهم، والتقليل من شأن الوطن، كما يفعل كثير من الإعلاميين؛ إذ يكثرون من التخويف من الصهاينة وإسرائيل، وهم بشر مثلنا، ومهما كان فلديهم نقاط ضعف، كما أن لدينا عوامل قوة كثيرة، وكثيرة جدًّا، أولها اعتصامنا بالله، وثقتنا به وبوعده، وعددنا وقوتنا العسكرية والاقتصادية، والموقع الفريد، وقبل هذا وذاك مقدسات المسلمين عندنا، وتحت رعاية ولاتنا.
فالمساس بالمملكة العربية السعودية يمس أكثر من مليار من المسلمين!! فالواجب التبشير، وزرع الأمل في الناس، والثقة بالله تعالى، ثم ولاة الأمر، وأنهم على قدر المسؤولية، ويبذلون كل ما في طاقتهم لعز هذه البلاد، بل لخير المسلمين جميعًا، ويحرصون على السلم العالمي، والاستقرار الدولي.
الوقفة الرابعة عشرة: خطورة الإرجاف على المجتمع والدولة. والمرجفون هم الذين يحبطون الناس، ويخوفونهم، ويقولون: جاءت الفتن والحروب، جاء العدو، حُصرنا، قُتلنا، ليس عندنا قوة.
وهذه خطيئة وجريمة، يعاقب عليها الشرع والقوانين؛ فهي تخلخل الصف، وتفتح الأبواب من الخارج للأعداء! قال الله تعالى: {لَئِن لَّمْ يَنتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا}.
الوقفة الخامسة عشرة: خطورة الخروج عن الجماعة، أي الدولة والإمام؛ فهذا أمر عظيم أن يترك المسلم بلده وولاة أمره، ويرغب عنهم، ويستبدلهم بالكفار، ويفضي بأسراره وأسرار بلاده ووطنه، ويكون أداة ضغط عليهم. فاللهم اجعل لنا عبرة، ولا تجعلنا عبرة.
ومهما عمل الفار والتارك لوطنه فإن إخلاص الأجانب لبلدانهم وحكامهم وأديانهم، وبهذا الفعل يقدح في وطنية الرجل وإخلاصه وأمانته، بل هو خيانة كبيرة، نسأل الله العافية.
ولذلك فإن ولي الأمر هو الذي يكلف الأكفاء بهذه الأعمال، وخصوصًا التعامل مع الأشقاء والأصدقاء والأعداء.
الوقفة السادسة عشرة: في هذه الحادثة ظهر جليًّا السقوط الأخلاقي والأدبي الكبير عند الخصوم، وخصوصا حزب الإخوان المسلمين والمفلسين؛ فقد سمعت من رؤوسهم وإعلامهم الكثير من السب والشتم بأقذع الأوصاف، مع أنهم يدعون الأخلاق العالية والتربية الإخوانية. كل هذا سقط وتحطم على صخرة الحزبية والهوى والبدعة، حتى وصفت بعض قنواتهم الشيخ السديس إمام الحرم - وفقه الله - وصفته بأنه أبو لهب!! والله ما سمعنا هذا من الكفار ولا غيرهم. أهذا جزاء من ثبت على العقيدة السلفية، وأخلص لدينه وولاته وبلاده؟؟ نعم، وما جريمته هو وعلماء المملكة العربية السعودية وولاة أمرها إلا أنهم خطموا بدعتهم وحزبيتهم ومشروعهم المخزي.
الوقفة السابعة عشرة: من سبَّ المملكة العربية السعودية - وهي القائمة على المسجد الحرام وزواره وحجاجه - فقد يكون له نصيب من قوله تعالى: {وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ}.
الوقفة الثامنة عشرة: طالب العلم والعالم والخطيب والأديب والمسؤول والكاتب والمؤثر.. ينبغي أن يتفاعل مع قضايا وطنه ودينه، وأن يكون عنده الغيرة والحمية والوطنية، وأن ينظر لمصلحة وطنه ومآلات ما يقول، لا يضره ولا يحزنه ما يقول الأعداء، ووصفه بأنه منافق، متسلق، مطبل، إلى غير ذلك؛ فهي كما قيل: شنشنة نعرفها من أخزم؛ فلا يلتفت إليها، بل يجب أن تزيده إخلاصًا، وتجديدًا لنيته، وأنه مجاهد في سبيل الله لخدمة خير البلاد المملكة العربية السعودية. الوقفة التاسعة عشرة: كثرة الأكاذيب وتكرارها تؤثر على الناس، جريًا على قاعدة: ما تكرر تقرر؛ ولهذا ينبغي عدم الإكثار من مشاهدة القنوات المغرضة التي تبث الفتن، وتُهيج الناس، وتُثير الشر، وعدم إشغال النفس بمتابعة الأخبار ساعة بساعة؛ فقد كُفيتَ بغيرك أيها العاقل، فاحرص على ما ينفعك من عمل الدنيا والآخرة!!
الوقفة العشرون: كل حادثة تقع أو فتنة فإنها تزيدني قناعة بأن الإسلام النقي الصحيح الذي كان عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وصحابته وسلف هذه الأمة الأخيار، وهو الوسطية والاعتدال، وفيه الرحمة والحكمة، هو الذي قامت عليه هذه البلاد المباركة الفريدة، وأثمر المصالح والمنافع الدينية والدنيوية منذ تأسيس الملك عبد العزيز - رحمه الله - لهذه الدولة إلى وقتنا الحاضر.
وأزيد قناعة لذلك بالبعد عن هذه الأحزاب المقيتة التي صفدت أتباعها، وحجزتهم عن سعة الإسلام وبحبوحته.
حفظ الله المملكة العربية السعودية، وحفظ الله قائدها وقائدنا خادم الحرمين الشريفين/ الملك سلمان بن عبد العزيز، وحفظ الله ولي عهده الأمين، الأمير المسدد
الموفق/ محمد بن سلمان. والحمد لله رب العالمين.