د.محمد بن عبدالرحمن البشر
الوطن مكانه القلب، فهو يتربع على سويدائه، وهو الذي يشد الأزر، وينشد الهمم، فلا دواء للقلب أفضل من حب الوطن، لأن محبة الوطن تعني الاستقرار والأمن والنمو الاقتصادي، وتعني التنمية الاجتماعية ومسابقة الزمن للحاق بالدول المتقدمة، وهو الحافز على التطور والعمل الدؤوب والنظر إلى المستقبل.
عندما يستقر الوطن في القلب، فإن الغيرة عليه ستكون في أعلى درجاتها، والتضحية من أجله تكون في أعلاها، والخدمة لأجله تكون في غايتها، فأعظم دافع للمرء في جميع أنشطته هو الحب، ودون الحب لا يكون الحافز مكتمل العناصر.
الذي يتخصص في تخصص يحبه يبدع فيه، ومن عمل عملاً ليس فيه مختصاً وأحبه يبدع أيضاً، وهكذا الوطن من رسخ في قلبه حبه لابد أنه سيبدع في خدمته، والذود عنه، والسعى إلى علو شأنه، فالقلب ماعون الحب، وإن كان مجرد مضخة كما يراها العلم الحديث، ولا يتحكم في المشاعر، وإنما يتفاعل معها، وأن المخ هو الذي يحس، فتتفاعل الهرمونات والأعضاء بما فيها القلب، لكنه يظل رمز الحب، وماعونه، والوطن هو ذلك المحرك، الذي يدفع إلى جميع الأعضاء بما فيها القلب ومشاعر الحب، فيغوض في الأعماق.
يقول الشاعر ابن زيدون الأندلسي المشهور في إحدى رسائله، والتي شرحها الخليل الصفدي في كتابه (تمام المنون في شرح رسالة ابن زيدون):
أحب بلاد الله ما بين منغج
إلي وسلمى أن يصوب سحابها
بلاد بها عبق الشباب تمائمي
وأول أرض مس جلدي ترابها
يا لهما من بيتين لاسيما عجز البيت الثاني، فالوطن هو أول أرض يلمسه المرء، فيحس بالحياة، ليعيش فيه كما أراد الله له أن يعيش.
الوطن هو الحياة وهو الأمل، ولا حياة دون قلب يخفق، وخفقان القلب الذي يحبه الوطن، هو ذلك الخفقان الناجم من العمل الدؤوب، والإخلاص والوفاء، وعدم تزحزح ذلك الحب والوفاء تحت أي ظرف، وهو الصبر والسعي والمثابرة والمصابرة، فالوطن يحتاج إلى كل قلب نابض يشيد ويدفاع وينفاح، ويبني، ويخترع، ويبدع، ويحافظ على أمنه، ويرعاه. وهو يحتاج إلى تكاتف الجميع، والتنسيق فيما بينهم، والعمل على رفعة شأنه في العالم.
العالم اليوم يسير بسرعة فائقة في جميع الميادين، وتوظف جميع طاقاتها في هذا الطريق، وهي تسابق الزمن في ذلك معتمدة على تلك القلوب النابضة المحبة لوطنها وعملها، وهنا في الوطن الذي يزخر بالقلوب الشابة الفتية، ويسعى بكل جهد ليشحذ طاقات قلبه للرفع من مكانة المملكة بين الدول، والإثبات لها بأن هذه المملكة سائرة في طريق اللحاق بالدول المتقدمة في جميع ميادين الإنتاج، فقلوب الشباب قادرة على العطاء وعقولهم قادرة على الإبداع، فهم الذين يعول عليهم بناء مستقبل زاهر.
لقد قدمت الجامعات في المملكة العربية السعودية وجامعات أخرى من جميع دول العالم ثلة من المتعلمين المتميزين الذين يستطيعون أن يحملوا لواء البناء والتشييد، بقلوبهم التي يتدفق بها حب الوطن، فالمملكة العربية السعودية قد أرست قواعد راسخة في قدرتها، وبينت للعالم أجمع أن أبناءها هم وحدهم القادرون على السير بها إلى مصاف الدول الأخرى.
المملكة العربية السعودية لديها إمكانات كبيرة مالية وقوى بشريه، واستقرار وأمن، وكل هذه العوامل بمنزلة الدماء التي تدفع بها قلوب الشباب إلى سائر الجسد لكي يمضي قدماً في مسيرة التقدم.
لو نظرنا للوراء بضع عقود من الزمن لوجدنا أن المملكة لا تعدو أن تكون صحراء جميلة تنتشر فيها الواحات، ويسير على ترابها بعض أبناء المجتمع بإبلهم وغنمهم مكافحين صابرين لتوفير لقمة عيش كريمة تسد رمقهم، وتغنيهم عن الحاجة إلى مساعدة الدول الأخرى، وهم الذين صبروا وحفروا الآبار بأدوات بسيطة، وربما اكتفى البعض منهم بالتمر واللبن وقليل من الخبز والزيت، فكان ذلك زاد القلوب وزاد البناء لجيل قد مضى وخلف بعدهم أبناءً شيدوا صروحاً قائمة وقامات عالية، ومكانة مرموقة، وساهموا في تخفيف الآم عدد كثير من أبناء المجتمعات الأخرى، فشباب المملكة بقلبوهم وحبهم لوطنهم، قد قربوا الكثير إلى قلوبهم فأحب المملكة الكثير من أبناء الشعوب الأخرى.
قادة هذه البلاد منذ تأسيسها على يد الملك عبدالعزيز -رحمه الله- وأبنائه من بعده سارت على بذل الخير بقلب ينبض بالمحبة لأبناء الوطن، وأبناء الدول الأخرى.
واليوم المملكة العربية السعودية في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز -حفظهما الله- تربعت في مكانة عالية بين الدول، وأخذت القلوب تزيد من نبضها، والعقول تضاعفت من عطائها.
الوطن هو الأمان والاستقرار، فعلينا جميعاً أن نحرص على حفظ أمنه واستقراره، والذود عنه، وبذل كل جهد في ذلك السبيل.
حفظ الله هذه البلاد وقادتها وشعبها من كل مكروه.