أ.د.عثمان بن صالح العامر
بصدق يحاول الإعلام المعادي أن يجعل وقتك طوال ليلك ونهارك سياسة، ولذلك هو يتفنن في صياغة الخبر ذي الصلة المباشرة بالمواطن السعودي أياً كان حجم هذا الخبر وأهميته ومصداقيته حتى قبل وفاة الكاتب المعروف جمال خاشقجي رحمه الله، ولذا فهو يصدق عليه وينطبق تماماً المثال القائل (يجعل من الحبة قبة)، يعيد ويزيد، يحلل تارة، ويستنتج أخرى، ويستضيف ثالثة، ويراجع التاريخ رابعة، ويبحث عن القرائن والشواهد خامسة، ويأتي على التغريدات طبعاً التي تتفق مع طرحه سادسة، ويعلق على ما قيل سابعة، و.... ثامنة وتاسعة وعاشرة إلى ما لا نهاية، حتى يعيش من اجتالهم الوهن منا في دوامة الخوف على القادم من الأحداث، وكأن الأمر يديره هؤلاء الخونة، وهم من يقرر مصير الشعوب ومستقبل البلدان.
نعم لا بد أن نعترف أن الإعلام المعادي سواء أكان خليجياً أم عالمياً خاصة قناة الجزيرة لعب دوراً رئيسا في تأجيج الساسة والقادة وصناع القرار في كثير من دول العالم فضلاً عن الرأي العالمي العام على بلادنا الغالية المملكة العربية السعودية خلال الأيام القليلة الماضية التي أعقبت قتل خاشقجي رحمه الله داخل السفارة السعودية في إسطنبول، فالكل اليوم يسعى للكسب من هذه الحادثة أكبر قدر ممكن اقتصاديا وسياسياً وإعلامياً، ولذلك فنحن في فتنة حقيقية نسأل الله أن نخرج منها سالمين، وحين تقبل سوداء مظلمة يتعين على الإنسان العاقل أن يرخي سمعه لولي الأمر ويترك الخوض فيما يحدث ويقال، فقد أثر عن القاضي شريح رحمه الله قوله: (إذا جاءت الفتن فلا تستخبر ولا تخبر)، أي لا تتبع الأخبار ولا تسأل عنها، وإذا عرفت خبراً فلا تسهم في نشره، وذلك لما في هذا السلوك من زعزعة للأمن وإيغار للصدور وإشغال للخاصة والعامة على حد سواء، فضلاً عمّا فيه من ترك لما هو أهم مما هو واجب عليك القيام به انصرافاً منك لما ليس لك أمره ولا هو تحت يدك يمكنك التأثير فيه أو توجيهه الوجهة التي تراها.
يقول الله عز وجل: {وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً}.
جاء في تفسير هذه الآية: (... إذ في هذه الآية إنكار على من يبادر إلى الأمور قبل تحققها، فيخبر بها ويفشيها وينشرها، وقد لا يكون لها صحة. فعن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «كفى بالمرء كذباً أن يحدث بكل ما سمع»، وفي الصحيحين عن المغيرة بن شعبة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن قيل وقال أي: الذي يكثر من الحديث عما يقول الناس من غير تثبت، ولا تدبر، ولا تبين. وفي سنن أبي داود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «بئس مطية الرجل زعموا عليه».
ومن أقواله عليه الصلاة والسلام في هذا الباب: «من حدث بحديث وهو يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين». ويذكر ها هنا حديث عمر بن الخطاب المتفق عليه، حين بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طلق نساءه، فجاءه من منزله حتى دخل المسجد فوجد الناس يقولون ذلك، فلم يصبر حتى استأذن على رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستفهمه: أطلقت نساءك؟ قال: «لا». فقلت: الله أكبر. وذكر الحديث بطوله.
وعند مسلم: فقلت: أطلقتهن؟ فقال: «لا» فقمت على باب المسجد فناديت بأعلى صوتي: لم يطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه. ونزلت هذه الآية: (وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم) فكنت أنا استنبطت ذلك الأمر.
إن من الواجب اليوم أن ننصرف بالكلية لنصرة قيادتنا ممثلة بخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز، والثقة بالله أولاً ثم بها في إدارة الأزمة التي نمر بها والخروج منها بإذن الله بسلام، كما أن علينا أن نجدد لهم عهد الطاعة والولاء ونقف خلفهم صفاً واحداً في هذه المنحة، ولنكثر لهم من الدعاء، فاللهم احفظ لنا قادتنا، وأدم مجدنا، وانصر جندنا، واحم مقدساتنا، وأرضنا، وشعبنا الوفي، وألف بين قلوبنا، وقنا شر من به شر، ودمت عزيزاً يا وطني وإلى لقاء والسلام.