عبدالعزيز السماري
تغير العالم وأصبح أقرب للقرية العالمية التي تسمع في أرجائها مختلف ألوان الموسيقى، وتتذوق في مطاعمها شتى أصناف الطعام من مختلف المطابخ العالمية، واقتربت ألوان الطيف من بعضها البعض، ولم يعد هناك إختلافات جوهرية بين المجتمعات، وهو ما أسقط الخصوصية أو الحواجز الثقافية بين الشعوب، وأصبح المسلمون والمسيحيون يتحدثون من خلال نفس القيم، ومضطرون لاحترام الآخر مهما اختلفوا معه، وهو ما يطرح سؤال عن كيف نتعامل مع هذا؟، في ظل تسارع وتيرة العولمة، والتوسع في وسائل التكنولوجيا.
صاغ الراحل مارشال مكلوهان، وهو منظّر إعلام واتصال، مصطلح «القرية العالمية» في عام 1964 لوصف ظاهرة تقلص ثقافة العالم وتوسعها في نفس الوقت بسبب التقدم التكنولوجي المتفشي الذي يسمح بالتقاسم الفوري للثقافة، وأنه من الممكن أن تصبح جميع ثقافات العالم قرية عالمية واحدة، وأن العولمة الثقافية القادمة ستؤدي إلى عالم جديد، تأتي الدول الأكثر حظاً فيه لمساعدة الدول الأقل حظاً مع الجهود الإنسانية.
من ناحية أخرى، يخشى الناس أن يؤدي تطور القرية العالمية إلى نشوب نزاعات بين الثقافات، أو يؤدي إلى تفتيت الثقافات المحلية، أو يؤدي إلى هيمنة ثقافية من قبل الدول المتقدمة، وربما خلق ثقافة هجينة، وما هي العواقب والفوائد التي ستنبثق من هذا الانقلاب الثقافي؟.. وبالتالي فهم ما ستعنيه هذه التغييرات لكل ثقافة قائمة على حدة، والحرص على اعتبار جميع جوانب المناقشة ذات الصلة المتساوية أمر ضروري لتشكيل فهم شامل لما تعنيه العولمة، وإذا لم نتمكن من الاتفاق على تداعيات هذه التحولات الثقافية، فربما لا نستطيع أن نعبر عن أنفسنا كأعضاء في قرية عالمية بعد كل شيء.
من مشاهداتي المتواضعة من خارج هذه الثورة التفاعلية الهائلة أن نماذج الحياة الاجتماعية وعوالم الاقتصاد والرؤية السياسية قد ربحت بالفعل جولاتها العقلانية الحديثة، والتي تأسست بعد ثورة العقل ضد رجال الدين وسلطة الكنيسة في الغرب، وتحولت بعد ذلك إلى أشبه باللغة العالمية، وقد يعاني كثيراً من يجهل الحديث من خلالها أو التعامل مع مصطلحاتها، فقد أصبحت الحياة بالفعل تقوم على أركان أساسية مثل الحرية المسؤولة تحت طائلة القانون، والشفافية، وثورات الحقوق الفردية، والتسامح، واستقلال القضاء، وغيرها من الأفكار الحديثة.
خلاصة الأمر في الطرح أعلاه هو إيجابية تقارب أخلاقيات الإنسان من مختلف أنحاء العالم، وخروجها من الاصطفاف الأيدولوجي والشوفونية الوطنية، ولعل الحراك العالمي الهائل لحركة مقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها، وفرض العقوبات عليها إفراز جديد للتقارب الأخلاقي العالمي، من أجل تحقيق الحرية والعدالة والمساواة في فلسطين، وقد نجحت حركة مقاطعة إسرائيل في البدء لمرحلة عزل النظام الإسرائيلي أكاديمياً وثقافياً وسياسياً، وإلى درجة ما اقتصادياً كذلك، حتى بات هذا النظام يعتبر الحركة اليوم من أكبر «الأخطار الإستراتيجية» المحدقة به.
قد لا يوجد عذراً للتخلف عن هذا التحول، فقد إنصهرت كثير من الثقافات العالمية في بوتق واحد، وأصبح العالم ينظر إلى أحداثه من خلال عين واحدة، وهو ما يعني أن اللحاق بالركب والتحدث من خلال اللغة العالمية الجديدة أفضل الحلول وأقصرها لحياة الاستقرار والتطور.