د. فوزية البكر
رغم أن الدولة منذ دخول المرأة إلى قطاع العمل الحكومي عام 1960م (مع ظهور الرئاسة العامة لتعليم البنات التي تولت تعليم الفتيات ثم توظيفهن لاحقاً لتعليم بنات جنسهن فظهرت مهن المعلمات والإداريات والمشرفات...الخ) حيث أقرت الدولة آنذاك نظام عمل موحد وسلم رواتب موحد للعاملين والعاملات من النساء والرجال في كل القطاعات الحكومية مثل قطاع التعليم أو الدفاع أو الجامعات بسلالم رواتب وترقيات تدريجية لا فرق فيها بين المرأة والرجل وهو ما جعلنا نحن العاملات في وظائف حكومية نشعر بالغبطة مقارنة بالنساء العاملات في القطاع الخاص رغم محدوديتهن آنذاك لكن للأسف لم نسلم من التميز بيننا وبين الرجال ولم نكن نعي درجات التميز الممارسة التي كانت ولا تزال تتخفى في أثواب عديدة غير محسوسة ولا يمكن كشفها وتتبعها بدقة من قبل النساء بسبب العزل القصري الذي نوجد فيه كنساء في مراكز نسائية بعيدة عن صانع القرار وعن فرص الترقية وعن الاستشارات التي كان يأخذها زملاؤنا الرجال حتى لو لم يتمتعوا بالكفاءة المطلوبة وفقط لمجرد أنهم ذكور يتمتعون بالقدرة على الجلوس مع صناع القرار عيناً بعين في أماكن العمل أو أثناء قهوة وسط الأسبوع بعد صلاة المغرب أو في لقاءات الاستراحة المتأخرة في نهاية الأسبوع بحيث يتحولون إلى أصدقاء يدافعون في الأغلب عن مصالح بعضهم كما سيتمكن الرئيس بحكم المعاشرة المباشرة من التعرف على بعض القدرات الكامنة لدى البعض بما قد يرفعه درجات ودرجات في السلم الوظيفي.
هذا السلوك غير الرسمي الذي أوجدته طبيعة البنى الاجتماعية والثقافية في بلادنا هو ما أدى إلى صنع فروق كبيرة لصالح الرجل في الامتيازات وفي الانضمام للجان العاملة وفى عروض العمل المختلفة وفي عقود الاستشارات التي يتحصلون عليها من قطاعهم أو قطاعات أخرى إضافة إلى عملهم الأساسي في حين نقبع نحن معشر النساء في عزلتنا المهنية القصرية في المراكز التعليمية أو مهنية تغلق أبوابها بالضبة والمفتاح منذ بدء المدارس صباحاً وحتى الانتهاء ظهراً بالتقاط المحرم لمحارمه وايصالهن لبيوتهن.
البعد عن صانع القرار والذكورية المفرطة في الأقسام الرجالية بسبب تغلب التيار التقليدي وتيار الصحوة جعل الموظفة الحكومية وحتى اليوم أقل حظاً في الحصول علي فرص إضافية تتناثر هنا وهناك في السوق ويلتقطها الرجال مدعمين بعلاقات غير رسمية تتيح لهم الاستئثار بهذه الفرص أو منحها.
تمكين النساء في كل مكان ومساواتهن في الحقوق الوطنية والإنسانية لزملائهن الرجال هو مطلب قيادتنا الفتية في المرحلة الحالية التي نشعر نحن النساء بها كدماء جديدة تضخ في كل مكان لذا وجب الالتفات إلى المؤسسات الحكومية حيث تعمل النساء في أقسام منفصلة هي نسخ غير حقيقية للأقسام الرجالية لأنها لا تصنع القرار المالي أو الإداري ويجب ألا نفترض أن سلم الرواتب الذي وضعته الدولة منذ دخلت المرأة مجال الوظيفة الحكومية سيحمي النساء من بعض أشكال التمييز.
لا يمكن للزملاء الرجال أن يدركوا حجم التمميز الذي نعيشه كل يوم في المؤسسات الحكومية المفصولة إلا إذا اضطروا يوماً أن يعيشوا في مواقعنا فيروا كم هو مهين ومحبط أنلا تسمع ما يقول صانع القرار في القسم الرجالي لأن الميكرفون متعطل أو أن الصوت غير واضح أو أن الصوت (يروح ويجي) الخ من المشكلات التي تواجهها كل النساء في هذه المراكز عند عقد الاجتماعات أو اللجان وهذا يؤثر في قدرة المرأة في التأثير على القرار كما يصبح من السهولة تكوين قوى ضغط صغيرة داخل كل لجنة بحيث يصبح القرار لصالح الرجال حتى لو لم يتوافق تماماً مع مصالح العمل حيث إنهم من يتسنمون سدة القيادات الإدارية الرئيسة وهم المتصرفون مالياً وهم من يقابل من فوقهم من الرجال القادة وهكذا ومهما حاولنا تمكين المرأة إلا أن تفاصيل كثيرة لتقاليد عمل اعتادت عليها المؤسسات الحكومية السعودية منذ إنشائها أدت إلى تحييد المواقع التي يمكن للمرأة أن تصلها فتم تجريدها من صناعة القرار المؤثر وحرمانها من كثير من الامتيازات والفرص المهنية والمالية التي كان يمكن أن تحصل عليها بإثبات قدرتها في أماكن طبيعية للعمل ينظر فيها للقدرة وليس للجنس.
ننتظر فرصاً أفضل لتمكين المرأة في القطاعات الحكومية.