د. محمد عبدالله الخازم
هذا المقال استمرار للموضوع المتعلِّق بنظام العقود المقترح لوظائف أعضاء هيئة التدريس. لكل نظام إيجابيات وسلبيات، وفق رؤية الأشخاص له، فهناك - على سبيل المثال - من يرى أن نظام العمل لا يُتيح استقرارًا وظيفيًّا، وقد يقود إلى تعسف القيادات فيما يتعلَّق بالتعاقد مع الموظف أو عضو هيئة التدريس وفصلهما؛ بل ويفتح المجال للمزايدة في رفع الرواتب وتفاوتها بين الجامعات، وفي الجانب المقابل يراه آخرون نظاماً محفّزاً على الإبداع والتنافس مع تقدير كلٍّ من المتميز والمبدع بشكل أكبر.
ولأن الجامعات حديثة عهد بهذا الأمر؛ فإن استطلاع تجارب القطاعات الأخرى يبدو مهماً في هذا الشأن، وأرشح من بينها القطاع الصحي. اقترنت تجربة القطاع الصحي - ومن نماذجه مدينة الملك عبدالعزيز الطبية، مدينة الملك فهد الطبية ومستشفى الملك فيصل التخصصي - بميزات من أبرزها القدرة على استقطاب كفاءات متميزة نظير ما يُقدِّمه من حوافز ومميزات تتجاوز ما لدى نظام الخدمة المدنية المُوحَّد والجامد، علاوة على مما تتمتع به قيادات تلك المؤسسات من صلاحيات واسعة في التوظيف، لكن هذه التجربة أفرزت سلبيات مثل تضخم العقود بشكل مهول في بعض القطاعات الصحية، بجانب عدم وجود معايير واضحة في تحديد الرواتب والبدلات التي أضحت خاضعة للعلاقات الشخصية...
وقد نشأت بالإضافة إلى ذلك منافسات أضرت بعدَّة قطاعات، وذلك حين اعتمد استقطاب الكوادر والكفاءات على رفع الرواتب، فماذا كانت النتيجة؟ تنقلات انعكست سلبًا على القطاع، ونشير هنا - على سبيل المثال ـ إلى أن استقطابات الشؤون الصحية بالحرس الوطني في فترة من الفترات؛ ألحقت أضراراً بمستشفى الملك فيصل التخصصي إلى الحد الذي أسهم في إيقاف أو تدني بعض الخدمات المتميزة لكوادره التي اجتذبتها الشؤون الصحية، وحدث هذا خلال فترة قصيرة وبشكل غير مخطّط له. وفي المقابل؛ فإن اجتذاب واستقبال هذه الكوادر كان إيجابياً بالنسبة للشؤون الصحية، وساعدها على المنافسة وعلى تأسيس تميزها الطبي الراهن، وما كان على التخصصي إلا السعي لتعويض ما فَقَدهُ، وتحقق له ذلك بالفعل لاحقاً. وللمقارنة فيما يتعلّق باستقطاب الكفاءات؛ علينا أن نسأل هنا: هل ستنتقل المنافسة في هذا الخصوص إلى الجامعات السعودية بعد تحولها إلى نظام العقود السنوية؟ هل ستضطر أي جامعة ما لرفع رواتب أعضائها للحد من تسرّبهم إلى جامعة أخرى؟ وهل ستتضخّم رواتب أعضاء هيئة التدريس بسبب هذا الفعل؟ وهل ثمَّة ضرر في ذلك؟
التنافس هدف مشروع في حد ذاته، وحراك أعضاء هيئة التدريس أمر مطلوب، ولأجل ذلك يتم تحرير النظام، لكن في الوقت نفسه، فإن جميع الجامعات طالما أنها تعتمد على دعم الحكومة؛ فسيصبح تضخيم الرواتب، ودخول المحسوبيات في تحديدها أمرًا غير مرغوب.
يمكن تأسيس نظام يأخذ في الاعتبار الملاحظات أعلاه ويناسب الجانب الأكاديمي بالذات في ما له علاقة بالحقوق الفكرية للجامعة ولعضو هيئة التدريس. ولأن التفاصيل هنا قد لا تعني جميع القراء نكتفي بإحالة المهتمين بهذا الشأن إلى كتابنا المشار إليه سابقاً «جامعة 2030»، مع التقدير.