د. محمد عبدالله العوين
سنتجاوز أزمة القنصلية وستنسى كغيرها من الحوادث التي مرت بنا؛ على الرغم من ألمها البالغ في النفوس بارتكاب تلك الجريمة وفي مكان يفترض فيه الأمن والطمأنينة والعون للمواطن، وسننسى ما أثارته علينا من ضجيج إعلامي صاخب وما أحدثته من تأجيج على بلادنا ممن استغلوا الحدث المؤلم فركبوا خيلهم وأشهروا سيوفهم وأعلنوا صيحتهم في أبواقهم المزِيفة لبث الكراهية والاحتقان ضد المملكة وتأليف مسلسلات القصص الخيالية التي تغرس في نفـوس المتلقين بكل اللغات صـــورة سيئة مشوهة عن بلادنا.
وإذا كانت الحادثة التي وقعت نتيجة خطأ قد يقع في أي بلد ومن أي إنسان جارحة للمشاعر ومؤذية للضمير؛ إلا أن تداعياتها الإعلامية التي استغلها الأعداء لا تقل بشاعة وانتهازاً من كل متربص لإثارة الجلبة وغرس الكراهية وإثارة الفتنة في الداخل والخارج.
سننسى وينسى العالم الحادثة بعد أيام لا أسابيع؛ لكن من المفيد أن نقف عند الدروس المستفادة؛ لكيلا تتكرر واقعة أخرى مشابهة - لا سمح الله - ولنعلم من هم أعداؤنا ومن هم أصدقاؤنا، وكيف كانت معالجتنا للحدث.
- وقع الخطأ البشع من موظفين مكلفين بمقابلة جمال خاشقجي - رحمه الله - لإقناعه بالعودة إلى المملكة، هذه هي المهمة الرسمية التي كان عليهم أن يؤدوها بإتقان وفق التعليمات المتبعة عادة؛ ولكنهم لم يوفقوا في استمالة الخاشقجي ومحاولة إقناعه بالأساليب المهذبة التي تقربه إليهم وتحببه في العودة؛ إما بمزيد من الإغراءات المشمولة بالعفو، أو بالمناقشة الفكرية والسياسية العميقة والتحدث معه في المشترك المتفق عليه من الأفكار التي لا تقبل الاختلاف؛ لتكون قاسماً يمكن العمل من خلالها إن اقتنع وإن لم يتقبل الفكرة فهذا شأنه ويتحمل نتائج قراراته.
لكنني أكاد أجزم أن المكلفين يفتقدون قدرات الإقناع وملكات الحوار الراقي؛ فاستخدموا العنف الذي أفضى إلى قتله مع الأسف. وهذا ما يوجب على الإدارات العليا في الجهاز الذي ينتدب موظفين لمثل تلك المهمة إحسان الاختيار للمكلفين والتشديد عليهم بعدم استخدام العنف على الإطلاق مهما كانت طبائع المناقشات.
ولا شك أن من ارتكبوا ذلك الخطأ الجسيم سينالون جزاءهم العادل أمام القضاء.
- أن ما أجلب عليه تنظيم الحمدين في أبواقه المخزية كالجزيرة وتوابعها من المواقع الإلكترونية وغيرها ممن يرتزق من غازه الآثم كالحوار ومكملين والشرق؛ سواء كانت إخوانية أو صفوية لا يمكن مع ما أظهره من كراهية للمملكة وما أثاره من عواصف في الجزيرة على الأخص أن نصل معه إلى أي حلول. ندعه معزولاً وحيداً في مهب الريح إلى أن يسقط.
- إن قيم الموضوعية والحياد والمهنية سقطت في هذه الأزمة سقوطاً مهولاً أمام إغراءات الدولار القطري؛ فتهاوت وسائل إعلامية كنا نضرب بها المثل في تحري الحقيقة؛ كالواشنطن بوست، والنيورك تايمز، والهيرالد تربيون والسي إن إن، وغيرها.
- إن إعلامنا أخفق ولم يمتلك القدرات اللازمة لمواجهة عواصف الإعلام المعادي.