عروبة المنيف
يحكى أن ثعلباً سأل جملاً كان واقفاً على الضفة الأخرى من النهر؛ إلى أين يصل عمق هذا النهر أيها الجمل؟.. فأجابه الجمل: إلى الركبة. قفز الثعلب في النهر فإذا بالماء يغطيه بالكامل ويسعى جاهداً إلى أن يخرج رأسه من الماء بعناء. وما أن استطاع أن يقف على صخرة في النهر حتى صرخ في وجه الجمل قائلاً: ألم تقل أن الماء يصل إلى الركبة؟!.. أجاب الجمل: نعم، الماء يصل إلى ركبتي أنا.
يخطئ الكثيرون ممن يحاولون تقليد ومحاكاة الآخرين في تصرفاتهم وفي أسلوب حياتهم فيتخذون قرارات اتخذها غيرهم، ولسان حالهم يقول: إذا ناسبت غيري فهي تناسبني. تلك القرارات الصادرة من خارج كيانه ستقضي على شخصية المقلد، ولن يستطيع اكتشاف رسالته الذي وُهب الحياة من أجلها، بل سيبقى كالإمعة، يلبس ثوباً غير ثوبه ويمثل أدواراً لا تلائمه ولا تتوافق مع طبيعته وموهبته وميوله، فسيتخبط وسيتعثر ليبقى تائهاً ما سيؤدي به إلى فقدان ثقته بنفسه، إذ يصبح كالغراب الذي أراد تقليد الحمامة لأن مشيتها أعجبته ففشل، وعندما اعترف بفشله نسي مشيته الأصلية، ففقد ثقته واعتزازه بنفسه.
لكل إنسان رسالة في هذه الحياة ودرس جاء به إلى هذا الكوكب، ليختبره ويؤديه بالإمكانات التي وهبها الخالق له، فالاختلاف بين البشر هو سنة الحياة، فقد تقابل شخصاً يقلد الآخرين ممن تختلف قدراتهم وإمكاناتهم ومواهبهم عن قدراته ومؤهلاته وإمكاناته، فتأسف لحاله، لأنه لم يدرك تميزه، وبأن لديه العديد من المواهب التي وهبها الخالق له، لكنه لم يكتشفها بعد لأنه محكوم «بالتقليد الأعمى»، ربما بسبب الغيرة أو الحسد، أوكليهما، فمن خلال تلك الصفتين المدمرتين تنعمي بصيرتنا عن هبات الخالق لنا.
إن الاعتراف باختلافنا وبإدراك إمكاناتنا المختلفة عن الآخرين، يجعلنا نشعر بتميزنا وبمقدرتنا على تحقيق آمالنا وطموحاتنا، وعلى إيصال رسالتنا بطريقتنا وبخلطتنا السرية التي لا تشبه أحداً في هذا الكون، وعندما ندرك ذلك لن يكون هناك أيّ مجال للتقليد والمحاكاة، فقد خلقت لأكون أنا وليس الآخر، بشخصيتي، بموهبتي، بميولي، بذوقي، باختياري، وبإسلوبي وطرحي. فقد ترى أحدهم يلبس من رأسه لأخمص قدميه الماركات الغالية ولكن شخصيته مقلده، فترثى لحاله المهزوزة.
إن تقبل الذات كما هي، يجعلنا على ثقة بقدراتنا وإمكاناتنا، فندرك اختلافاتنا، وتبرز تبعاً لذلك مواهبنا وتتجلى لتظهر رسالتنا جلية، الرسالة التي نؤمن بها ونسعى جاهدين لتحقيقها بكل همة وصبر واقتدار.. فلكل إنسان هبة أنعم الله بها عليه، ولكن المهم أن يكتشف المرء تلك الهبة ويستثمرها لتحقيق رسالته في هذه الحياة ولينجح في اختباره.
إن جميع العظماء في تاريخ البشرية كانت لديهم رسائل، اعترفوا باختلافهم وتميزوا، قدروا ذلك التميز من أعماقهم فتعرفوا على الهبة التي منحها الله لهم، آمنوا برسالتهم، ركبوا سيارة الحياة خاصتهم، يقودهم شغفهم في تحقيق رسالتهم وتصحبهم ثقتهم بقدراتهم فلم يقارنوا أنفسهم بما حققه الآخرون فلم يكونوا طيفاً لأحد، بل ركزوا على أنفسهم وعلى اكتشاف إمكاناتهم ليحققوا ذواتهم المميزة. فكن شخصاً مختلفاً لأن العالم لا يحتاج إلى المزيد من النسخ.