فوزية الجار الله
(بعض هوايات الطفولة انتهت والبعض الآخر استمر ونما؛ مثل الكتابة والرسم بالنسبة لي شخصياً.. تأكدَتْ لي أهمية مرحلة الطفولة بكل تفاصيلها فهي التي يوظفها الكتّاب لاحقاً في أعمالهم، لاسيما الروائية والقصصية منها).
هذه العبارة وردت ضمن كتاب الروائي العراقي عبدالرحمن الربيعي أثناء حديثه عن سيرته ضمن كتابه «أية حياة هي».. تبدو جميلة هذه المعاني التي أشار إليها الروائي، وهي حقيقة واقعة، وبعيداً عن هذه العبارة وليس ترسماً لخطاها..
لا أدري ما الذي ذكرني بهذه الحكاية التي حدثت حينما كنت في المرحلة المتوسطة، عدد الطالبات في الفصل يقارب الأربعين طالبة، وثمة نافذة مفتوحة تطل على جانب من ساحة المدرسة، كانت معلمة التاريخ منهمكة في الحديث عن إحدى الشخصيات أعتقد أنه حمورابي، وفجأة سمعنا جلبة وضجيجاً في الخارج فالتفتنا جميعاً باهتمام وفضول لاستطلاع ما يحدث خارجاً، فيما يبدو كان أمراً يختص بإدارة المدرسة التي تعلم جيداً بما يدور في ساحتها، بعد دقائق فجأة سمعنا المعلمة تهتف بصوت عالٍ يشبه الصرخة «وين عيونكم؟».
انتبهنا سريعاً بهلع وقلنا جميعاً نحن اللواتي يقارب عددنا الأربعين في نغمة واحدة، عالية جداً: «عليك»!
فابتسمت المعلمة ابتسامة عريضة حتى كادت تنسى أين توقفت في الشرح، أتذكر ذلك الموقف وأحاول بحثاً عن وصف له، هل كنا مهذبات، أم كانت عقولنا مبرمجة؟!
بين يدي رواية بعنوان «بوابة الذكريات» للكاتبة والروائية الجزائرية آسيا عبدالجبار، أقتطف لكم منه بضع فقرات استوقفتني:
(بني «منزل أبي» هذا أولاً حول عماد أساس: حب الزوج الشاب لزوجته، حب دائم وعفيف...)
(أغرقت نفسي من شدة صمتي..
صمتي؟ لنقل حتى «انحبست» أمام الخطيب -الزوج- أمام الآخرين، ولكن أي آخرين؟ ماذا كان بوسع شابة مثلك أن تفعل ومع من تتحدث، ومن تلتمسين منه البحث معك وأن يشك في أمرك، حتى بعد فوات الأوان؟ كان الصمت بإزاء الذات أخطر.. إن الكتب والقصص والنظريات والملاحم والانفعالات الغنائية، وكل هذا الغليان لم يفدك إذن لا في تحفيزك ولا في تحذيرك وحملك على الفرار أمام دخان المخيال والذوبان -لم يفدك في الارتماء ودفعك إلى تحدي الآلات والعاصفة والسرعة: لا بل دفعك فقط إلى النوم..
(أنت تكتبين «هذا المزدوج هو الذي يهزني فجأة ويوقظني) الذاكرة ليست مهداً ولا أغاني كي نغرق بشكل أفضل، كان من الأجدر بك أن تصرخي في اقفار كما العديد من الزهّاد وهم كثر في أرض الأجداد، ومن كل الأديان..)..
الرواية مترجمة من الفرنسية إلى العربية وهذا يفسر سبب احتوائها على بعض الغموض -ربما- لكنها لا تخلو من متعة، تبدو محرضة على القراءة والاكتشاف، ولي موعد آخر معها في قادم الأيام، بإذنه تعالى.