أ.د.عثمان بن صالح العامر
أعلن النائب العام في المملكة العربية السعودية فجر يوم السبت الماضي وفاة المواطن السعودي الكاتب المعروف جمال خاشقجي - رحمه الله - مقتولاً داخل القنصلية السعودية في إسطنبول يوم الثاني من شهر أكتوبر الجاري نتيجة شجار وتشابك بالأيدي بينه وبين المشتبه بهم الذين لم يُفصح عن أسمائهم. هذا، وقد أصدر خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان إثر ثبوت ما ورد أعلاه عددًا من الأوامر الملكية، كما تم إيقاف 18 سعوديًّا، وما زال التحقيق جاريًا، ولم يُقفل الملف بعد.
طبعًا كنا نتمنى ألا يحدث هذا الأمر أبدًا. أما وقد صار فهو أمر لا يقدح في النظام السعودي، وليس له علاقة بالكيان الوطني، بل هي تجاوزات أشخاص، أعلنت حكومة خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين بكل شفافية ومصداقية ووضوح أن التحقيق ما زال جاريًا معهم، وستتم محاسبتهم على جرمهم متى ما ثبت حدوثه منهم، بعد محاكمتهم من قِبل السلطة القضائية في المملكة العربية السعودية المستقلة تمامًا عن غيرها من السلطات كما هو معلوم. أكثر من هذا صدر الأمر الملكي الكريم بتشكيل لجنة وزارية برئاسة ولي العهد الأمين لإعادة هيكلة رئاسة بأكملها، وتحديد صلاحياتها بدقة، ألا وهي (الاستخبارات العامة).
إن حدوث الجريمة وإن اختلفت حالاً وزمانًا ومكانًا ليس جديدًا في تاريخ البشرية، بل هو موجود منذ زمن آدم عليه السلام، وسيظل إلى قيام الساعة. ونحن لسنا مجتمعًا ملائكيًّا، ندعي الكمال المطلق والنزاهة التامة، بل مثلنا مثل غيرنا من المجتمعات، قديمها وحديثها، صغيرها وكبيرها، على حد سواء. كما أننا في واقع تفاصيل حياتنا المعاصرة لا شيء إزاء مجتمع خير القرون الذي حدث فيه ما لا يخفى على أحد، ومع ذلك لم يقدح ذلك بعدالتهم وخيريتهم حسبما نعتقده فيهم.
ليس هذا الكلام من باب التبرير - لا سمح الله -، ولا هو في سياق المقارنة وعقد الثنائيات، ولكن حتى نضع الحدث في نصابه الصحيح، ولا تنطلي علينا أكاذيب أعداء الوطن، وتستميلنا أهواء خونة العهد وبائعي الذمم الذين يريدون بنا شرًّا مستطيرًا، ويسعون لتوظيف هذه الواقعة في خانة المبررات التي يسوقونها في كل مناسبة وسانحة تُتاح لهم لضرب رموزنا السياسية، وتمزيق جسديتنا ووحدتنا الوطنية إن هم استطاعوا إلى ذلك سبيلاً. مع أن من يعرف التاريخ يعلم يقينًا كم هي الحوادث المماثلة التي صارت في دول عظمى، هي اليوم من يشن الهجوم الشرس على بلادنا بشكل سافر ومقيت، ليس حبًّا لشخص جمال - رحمه الله - وحرصًا على حق الإنسان في الحياة، ولكن كرهًا لنا، ورغبة في إحراجنا أمام الرأي العالمي العام تحت ستار حقوق الإنسان (الأكذوبة الكبرى في تاريخ العالم المعاصر).
إن الثمن الذي يريدوننا أن ندفعه جميعًا هو أمننا واستقرارنا ولحمتنا الوطنية، ووقوفنا صفًّا واحدًا خلف قيادتنا، والوفاء لولي أمرنا بالبيعة التي في عنق كل فرد منا. فهم وإن اختلفوا في منهجية الطرح وأسلوب العرض، وتبدلت وجوههم ولغاتهم وبلادهم وتخصصاتهم و... هم في النهاية ينسجون خيوط مؤامرات كبرى، يتوقون من خلالها لتحقيق هدف خبيث واحد، ألا وهو القضاء على وجودنا - لا سمح الله -.
إننا نمر بمرحلة أصعب من سابقتها؛ لذا لنكن عونًا لقيادتنا في تخطي أزماتنا بامتياز، نجتازها ونحن أشد تماسكًا بعقيدتنا ومبادئنا وقيمنا ورموزنا والتفافنا حول ولاة أمرنا وعلمائنا.. نجتازها ونحن أكثر ثقة بربنا أولاً، ثم بسياسة وحنكة وحكمة وحزم وعزم وإرادة وتخطيط خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين. فوالله ليس هناك أكثر لرد كيد الأعداء وإيغار صدورهم من مثل ما نحياه اليوم من تماسك ولحمة وتكاتف، هي خط الدفاع الأول، وعنوان الصمود الدائم لنا في وجه أعدائنا. فاللهم احفظ لنا قادتنا، وأدم مجدنا، وانصر جندنا، واحمِ مقدساتنا، وأرضنا، وشعبنا الوفي، وألِّف بين قلوبنا، وقنا شر من به شر. ودمت عزيزًا يا وطني. وإلى لقاء. والسلام.