د. محمد بن عبدالله آل عبداللطيف
كتب عضو هيئة تدريس وعضو مجلس الشورى متقاعد تغريدات صادمة على حسابه في تويتر أقل ما يقال عنها إنها مسيئة للكاتب نفسه قبل أن تكون مسيئة لغيره من أعضاء هيئة التدريس في السلك الجامعي، ومنهم زملائه في الدراسة. التغريدات التي نشرها متفاخرًا، أوردها فيما يلي حرفيًا: «وصلت أمريكا... وما ناسبتني جامعة.. انتقلت بعدها لجامعة..... بيني وبينكم معظم إللي أنا وربعي قمنا به كان غير أخلاقي... حصلنا على رخص القيادة وامتحانات التوفل والـGRE بواسطة أخوة عربان متمرسين هناك»، وفي تغريدة أخرى: «أما الدراسة فالبحوث والمقررات كانوا الشباب العربان الخبراء وشبه المقيمين هناك ومتزوجين أمريكيات يتعاملوا معنا بالقطعة وكله بالدولار والحسابة بتحسب.. وعينك ما تشوف إلا النور بزنس بس الأسعار نار خاصة في الإحصاء ومناهج البحوث والنظريات»، ويواصل: «ابشركم مشيت أمورنا بالدف وأخذنا الشهادة.. طبعًا كثيرين من ربعي ضمائرهم ما تعورهم كثير بس أنا وانا أغادر للتقاعد قلت أصارحكم بالحقيقة وطز لو انسحبت الدكتوراه.. بس عارفين تخرجنا 1990 وشخّصنا بالشهادات عند الأهل والخلان والجامعة. واتعيّنا وهات يا فارس في الطلاب من شان نثبت إننا أساتذة صح».
تعرض صاحبنا لكثير من النقد وربما التقريع في تويتر. واستدراكًا منه لحجم الفضيحة، برر بأن ما كتبه فهم بشكل خاطئ، وهو كلام غير واقعي وجزء من الأسلوب الساخر الذي عهد عنه. وعدد بعد ذلك إنجازاته ومناصبه والمسئولين الكبار الذي عمل معهم، الذين ربما قرأ البعض منهم ما كتب. ولم يتجرأ صاحبنا على كتابة مثل الكلام المؤسف لو لم يعرف أن مثل هذه الممارسات شائعة للأسف، وشجعتها النظرة للمؤهل الأكاديمي على أنه حاجة وظيفية، ووسيلة توسل للمناصب، لا حاجة علمية أكاديمية. ومثل الممارسات التي تكلم عنها صاحبنا لجأ لها البعض للحصول على الترقية الأكاديمية وليس فقط للحصول على المؤهل الأصلي، ويعزز ذلك التباين الواضح أحياناً بين الرتبة العلمية والمستوى الحقيقي لبعض أصحاب الرتب العلمية العالية.
ما عسى عضو هيئة التدريس الذي تغرّب، وعمل، وكدّ، وخسر مادياً وعائلياً ليحصل على مؤهل حقيقي أن يقول حيال مثل هذه التغريدات. الستر، ربما، كان أفضل من المجاهرة في مثل هذه الحالات، رغم أن طابع الاعتراف بعد إفاقة الضمير التي انطوت عليه قد يكون مفيدًا لإفاقة الجهات المسئولة لوقف مثل هذه الممارسات. وقد افسد الاعتراف خلوه من أي اعتذار، بل تبعه إصرار مكابرة بعبارة: «طز لو سحبت الدكتوراه». نعم طز وألف طز فقد انتهت فعاليتها الوظيفية بتقاعد صاحبها بعد أن استنفذها في محطاته الوظيفية المختلفة.
نشيد بالمغرد لإفاقة ضميره المتأخرة وشجاعته بالاعتراف الصريح بأمر بقي خافيًا طيلة حياته العملية. ومهما كانت الظروف التي كتبت فيها هذه التغريدة، أو الأسلوب التي كتبت به، أو النية التي تقبع خلفها، فهي تغريدة مخيفة فعلاً، وغير ساخرة، ومبكية غير مضحكة. فكيف سيقرأها طلاب الجامعة؟ وكيف سيفهمها مبتعثينا في الخارج؟ وما موقف الجامعة التي درّس بها سنين طويلة منها؟ وما موقف مجلس الشورى الذي عمل فيه عضوًا مستأمنًا على أمور الوطن والمواطن؟
وسبق وكتبت مقال في الجزيرة بتاريخ 2012/12/18م بعنوان «الشهادات الوهمية»، في مداخلة مع الزميل الدكتور موافق الرويلي صاحب حملة «هلكوني» ضد أصحاب «المؤهلات الوهمية»، الذي يعمل بعضهم في مناصب مهمة، وذكرت أن «الوهمية» في المؤهلات الأكاديمية نسبية، وأن هناك جامعات، وأساتذة، ومشرفين أكاديميين في دول كثيرة من العالم، وفي جامعات معروفة في دول كبرى تخصصوا في منح بعض مبتعثي دول الخليج شهادات حقيقية شبه وهمية. ويسهل الاستدلال على ضعف التأهيل العلمي وبشكل لا يتطلب الكثير من الجهد، حيث يظهر في ضعف اللغة الإنجليزية التي يفترض أنه كتب بها بحثه، وكذلك اللغة العربية، وفي تجنب الدخول في أي حوار أكاديمي، والاستمرار في اجتباء ما اسماهم صاحبنا «بالعربان» والاعتماد عليهم حتى بعد الوظيفة، والتركيز على الأمور الشكلية، والاحتفالية، والإدارية وإهمال الأمور الأكاديمية الأساسية. ويجب عدم الاستهانة باللغة فهي مفتاح العلم ويفترض بكل من كتب بحث من مئات الصفحات بالإنجليزية أن يجيدها إجادة تامة.
الخبرة الطويلة في الجامعة توضح أن التأهيل الحقيقي لا يضمن لصاحبه المكانة التي يستحقها في الجامعة، وأن الأمور الإدارية هي صاحبة المقام الأول في شئون التعليم الجامعي. وأتمنى أن يترتب على هذه التغريدة وغيرها إعادة الأمور إلى نصابها في جامعاتنا، فمن المحزن أن يضيّع شاب خمس سنوات من عمره مع دكتور بشهادة من فئة «طز».