د. أحمد الفراج
لدى الإعلام الأمريكي قدرة هائلة على الشيطنة، سواءً شيطنة دول أو أفراد أو منظمات، وقد استطاع هذا الإعلام تدمير مستقبل ساسة من عيار ثقيل، خسروا أحلامهم، والشيطنة تتم بطريقة منظمة وعجيبة، تشعر معها أنها تسير وفق منهج مرسوم، وخطة مدروسة بعناية، وأفضل مثال كلاسيكي هو ما حدث ضد العراق، قبل احتلاله في عام 2003، فقد تم تجهيز الرأي العام العالمي لقبول الحرب، من خلال تصوير صدام حسين كأكبر خطر يهدِّد الأمن العالمي، رغم أنه حينها كان ضعيفاً ومحاصراً، لا يمكن له تهديد أحد، وكذا الحال مع دول أخرى، وهنا نتساءل عن ماهية مصطلح «الإعلام الحر»، الذي يبحث عن الحقيقة، وهو المصطلح، الذي يطلقونه على هذا الإعلام، الذي لم يشيطن من تسبب بحصار العراق، وموت أكثر من نصف مليون طفل، نتيجة نقص العلاج والغذاء. سئلت مندوبة أمريكا في الأمم المتحدة حينها، مادلين أولبرايت، عمَّا إن كان موت هذا العدد الكبير من الأطفال ثمناً مقبولاً للحصار، فقالت نعم، وهي تبتسم، وهي ذات المندوبة، التي أقامت الدنيا على مقتل عدة أشخاص، في مدرسة أمريكية، وكان هذا الإعلام قد استطاع تدمير شخصيات سياسية من عيار ثقيل، لأنهم لم يسيروا مع الخط السياسي المرسوم، إذ يكفي تصريح واحد، يتجاوز الخطوط الحمراء، لتشتغل ماكينة الشيطنة، ولا تتوقف حتى تقضي عليه قضاءً مبرماً، ولنا في قصة الديمقراطي، قاري هارت، مثلاً ساطعاً، فقد كان في طريقه ليصبح رئيساً لأمريكا، ولكنها زلة اللسان، عندما عاد إليه ضميره في لحظة عابرة، فتم تدميره بكفاءة عالية، وغالباً ما يستطيع الإعلام إشراك منظمات الحقوق المدنية، وبعض الساسة في عملية الشيطنة، بطريقة احترافية عالية، تصيب الهدف بدقة عالية. عندما أقدم متطرف دانماركي أبيض على قتل العشرات بدم بارد، لم تتم شيطنته، بل إدانته فقط، ولم يوصف بأنه إرهابي، على عكس العربي أو المسلم، الذي تتم شيطنته بمجرد التهمة، ومن الطرائف أن متطرفاً أمريكياً قتل مجموعة من السود كانوا يتعبدون في كنيسة، في مدينة تشارلستون بولاية جنوب كارولينا، فقام الإعلام الأمريكي بوصف بشاعة الحادثة، دون تشغيل آلية الشيطنة، فالشيطنة تستخدم، عندما تكون هناك حاجة لذلك، ودائماً أتساءل عن هوية من يحدد شخصية الهدف، الذي يراد شيطنته، ومن يرسم إستراتيجية الشيطنة، فهي بكل تأكيد ليست قوى خفية، وطالما أننا نتحدث عن الشيطنة، وأصبحنا هدفاً لها، فنحن بحاجة لرسم إستراتيجات لمجابهتها، فالشيطنة الاحترافية لا تواجه بجهد فردي انفعالي، ولا بمخاطبة الذات، بل بإستراتيجية مضادة، تقوم عليها كفاءات، وخلايا أزمات عالية التأهيل، وقد حان وقت ذلك.