د. محمد عبدالله الخازم
نشرت إحدى الصحف موضوعًا عن رأي هيئة الخبراء في نظام الجامعات الجديد، الذي لم يقر بعد، تحت عنوان «هيئة الخبراء تبقي أعضاء هيئة التدريس وموظفي الجامعات على نظام الخدمة المدنية». واعتبر البعض ذلك دعمًا لأعضاء هيئة التدريس، وكأن تحويل وظائفهم إلى عقود مرجعيتها التأمينات الاجتماعية أمر سلبي. ويبدو أن أكثر من جهة تتعامل مع تلك المخاوف بإعلان ترك الخيار للموظف للتحول للنظام الجديد من عدمه، وكأنهم ليسوا على ثقة بتوجهاتهم، أو هم غير قادرين على شرح الفرق بين النظامين! سألخص وفق المساحة المتاحة رؤيتي في الموضوع. وقد نشرت تفاصيل الفروقات بين النظامين في كتابي «جامعة 2030» الذي أحث على قراءته من قِبل أصحاب العلاقة بالنظام الجديد للجامعات والعاملين في مجال صنع سياسات التعليم الجامعي.
تتجلى إحدى أهم مشاكل الجامعات السعودية في عدم توازن توزيع كوادرها البشرية، مع وجود تضخم في بعضها، يستهلك ميزانيتها في رواتب أعضاء هيئة تدريس وموظفين إنتاجيتهم متواضعة جدًّا. فجامعة الملك سعود -على سبيل المثال- يبلغ عدد طلابها 61412 وفق إحصائيات 2015 - 2016م، وعدد أعضاء هيئة التدريس 6322 عضوًا؛ وهو ما يعني أن نسبة الطلاب إلى أعضاء هيئة التدريس تبلغ 9.7 طالب لكل أستاذ، وهي نسبة تدل على ضعف الكفاءة في استغلال الموارد، خاصة إذا علمنا أن أكثر من نصف طلاب الجامعة وطالباتها يدرسون تخصصات نظرية بكليات العلوم الإنسانية المختلفة. علمًا بأن المعدل العام للجامعات السعودية يبلغ 21 طالبًا لكل عضو هيئة تدريس. ورغم أن البعض يبرر ذلك بأنها جامعة بحثية، وتقاس إنتاجيتها بالبحث العلمي، لكننا نقول إن إنتاجيتها في هذا الخصوص لا تتجاوز 2000 ورقة بحثية سنويًّا؛ إذ بلغ معدل نشرها السنوي في الفترة من عام 2008 إلى 2012م فقط 1947 ورقة علمية وفق تقرير نشرته مجلة الراصد الدولي التي تصدرها وزارة التعليم العالي، وتم استقاؤه من بيانات شبكة تومسون للمعرفة [سنعتبر الأرقام هنا مؤشرات وليست حصرًا دقيقًا]. ولا ننسى أن عدد طلاب الدراسات العليا بالجامعة يبلغ 8284 وفق إحصائيات العام نفسه. وهؤلاء يمثلون في عرف الجامعات العالمية قوة بحثية وتعليمية لا يستهان بها. من هنا يصبح الأمر منطقيًّا بتغيير آلية التعاقد مع أعضاء هيئة التدريس وطريقة تقييم إنتاجيتهم؛ حتى تتخلص الجامعات من بعض مظاهر الترهل الذي تعانيه، ولا تتحول إلى مجرد مسمى وظيفي للأستاذ الجامعي، يتقاضى راتبًا مقابل عمل متواضع، أو مقابل العمل في مكان آخر خارج الجامعة.
النموذج المقترح -وهو أحد مصادر الجدل في نظام التعليم الجامعي الجديد- يتمثل في تحرير عقود التوظيف عبر تحويلها من وظائف حكومية -وفق نظامَيْ الخدمة المدنية ومؤسسة التقاعد المدني- إلى نظام العمل بالعقود السنوية، ومرجعيته نظام العمل، وليس الخدمة المدنية، بينما مرجعيته التأمينية هي مؤسسة التأمينات الاجتماعية. وثمة فروقات جوهرية بين النظامين، تم شرحها في كتاب «جامعة 2030» لمن أراد التوسع في هذا الأمر. طالما الجامعات ستكون مستقلة يجب أن يكون لديها مرونة في تصميم كوادرها التوظيفية!
يتبع في مقال الأربعاء