الأستاذ الدكتور/ سعد البازعي هو أحد الأسماء البارزة القلائل في مشهدنا الأدبي والثقافي والفكري، فهو أديب وناقد ومثقف ومفكر جمع بين التخصص الأكاديمي ( والأدب المقارن تحديدا) من جهة وبين الثقافة والفكر من جهة أخرى. ولن أتحدث هنا عن تلك الأنشطة الكثيرة التي كان البازعي ولا زال يمارسها منذ ما يقارب أربعة عقود مضت، سواء على الصعيد المحلي لدينا في المنطقة أو على الصعيدين العربي والدولي، لكونها كثيرة جدا ويصعب علينا حصرها في مثل هذه العجالة، ولأنها معروفة لجميع المتابعين لواقع ساحتنا الثقافية والأدبية ، ولكني سأقتصر حديثي عن هذه الشخصية البارزة في المشهد الثقافي والمعرفي السعودي على بداية معرفتي بها و التي يعود تاريخها لأكثر من ثلاثة عقود من الزمان. فقد بدأت معرفتي بالدكتور سعد عندما كنت طالبا بجامعة الملك سعود بالرياض عام 1408 هجري حيث كنت وقتها لا أزال في السنة الجامعية الأولى . وكان ذلك حين بدأنا - نحن طلاب الجامعة- في تلك السنة وبتوجيه من إدارة الجامعة نفسها بتأسيس ناد للشعر أطلقنا عليه اسم( نادي الشعر) كنّا نجتمع فيه في الفترة المسائية ( كل يوم اثنين ) أي مرة واحدة في الأسبوع . وكان الدكتور سعد وقتها أحد الأساتذة الذين أوكلت إليهم الجامعة الإشراف على هذا النادي ومتابعة أنشطته ! وكنا مجموعة من طلاب الجامعة الشعراء وقتها لا يتجاوز معظمنا العشرين من عمره وربما كان بيننا من هو أقل من ذلك، أي لا زلنا في ريعان الشباب، نمارس كتابة الشعر في بداياتنا الأولى، وكان الدكتور البازعي يدير بعض حلقات هذا النادي ، بحيث يحدث كثيرا أن يقوم عدد من الطلاب الشعراء بإلقاء بعض نصوصهم الشعرية ليقوم البازعي بالتعليق عليها ويتبادل معنا النقاش ووجهات النظر والآراء حول النصوص المطروحة! بكل أريحية ورحابة صدر . ولقد استفاد كثير منا من هذه الحلقات وما يدور فيها من نقاشات حول الشعر وأسسه ومضامينه! والحقيقة أن البازعي قد بذل مجهودا رائعا لازال كثير منا يدين له بالفضل بعد الله تعالى لكونه أحد الأساتذة الذين تعلمنا منه الكثير! ووجهنا كشعراء مبتدئين التوجيه الصحيح والسليم، وتعلمنا منه في الشعر وفي الأدب ما لم نكن نعلمه مِن قبل! حتى بعد أن انطلقنا بعد تلك المرحلة وتجاوزناها وتخرجنا من الجامعة وتفرقت بِنَا سبل الحياة ،وأصبح بَعضُنَا الآن من الشعراء والكتاب المعروفين على الساحة فلا زال اسم سعد البازعي - جاه الله خيرا- من الأسماء الرائعة المحفورة في ذاكرتنا لما له من أثر وذكرى جميلة في بداية معرفتنا لعالم الإبداع والقراءة والعلم والثقافة والاطلاع ! ليس هذا فحسب بل إن وجود البازعي في ذاكرتي لم يكن مقتصرا على الشعر فحسب بل تعداه إلى مجالات إبداعية أخرى، حيث كانت الجامعة وقتها تقيم بشكل موسمي مسابقات ثقافية أخرى بين الطلاب مِن منسوبيها في القصة القصيرة والمسرح والمساجلات الشعرية وفن الخطابة وغيرها حيث سبق للبازعي أيضا أن كان ضمن الأساتذة الذين أوكلت إليهم الجامعات تحكيم مثل هذه المسابقات كعضو في لجانها المشرفة والمنظمة لهذه المسابقات، واذكر أنني شاركت عدة مرات في مسابقات القصة القصيرة فحصلت على أحد المراكز الأولى على مستوى طلاب الجامعة ، وكان البازعي وقتها يشجعني أنا وزملائي المتسابقين ويهنئنا على ما وصلنا إليه من فوز وتقدم ملحوظ في المجال الإبداعي، ويبشرنا بمستقبل أدبي زاهر! ومن الجدير ذكره أني سبق أن زرته في مكتبه بقسم اللغة الإنجليزية بكلية الآداب ذات مرة وكان ذلك قبيل تخرجي من الجامعة بسنتين أو أقل فرحب بي أشد ترحيب كعادته مع طلابه، وأهداني نسخة من كتابه الذي كان لا يزال في السنة الأولى من صدوره والمعنون ب» ثقافة الصحراء « من تأليفه عام 1991م وكذلك كتابا آخر أهدانيه لاحقا من تأليفه أيضا بالتعاون مع زميله في التخصص والقسم ذاته الدكتور ميجان الرويلي والمعنون ب» دليل الناقد الأدبي» ، وقد اطلعت فعلا على هذين الكتابين القيمين ، واستفدت منهما وكنت وقتها فرحا حقا بما أهدانيه الدكتور سعد! وهذا ليس بمستغرب من مثقف وأديب ومفكر مثله، فهو - حقيقة- بصمة واضحة مِن البصمات التي تركت أثرها الرائع في جيل أدبي كامل من أبناء هذا الوطن. وهذا قليل جدا مما أردت ذكره عن البازعي، وإلا فالحديث عنه واسع جدا ولا يسعفني المجال هنا لاستعراضه لما امتازت به هذا الشخصية الفريدة من تنوع وثراء في تركيبتها الثقافية والأدبية والعلمية كما وكيفا !
** **
- حمد حميد الرشيدي