تكوّن المؤثرات الثقافية بنية أولية في فكر الإنسان منذ نشأته الأولى؛ وقد ظلت هذه المؤثرات محدودة ومتشابهة في المجتمع السعودي المحافظ حتى وقت قريب، غير أن فئة من مثقفي المجتمع تهيأت لهم بعض الفرص التي تعد في وقت مضى سوانح ذهبية لا تتوافر للكثيرين منهم؛ وقد ساهمت في صياغة البنية الفكرية والثقافية لهم، وهم الذين تأثروا بها بشكل مباشر، ولغيرهم ممن تتلمذوا على يديهم بعد ذلك، ومن يتأمل الشخصية الفكرية والثقافية التي يتميز بها الناقد سعد البازعي يتأكد له الأثر الفاعل الذي خلقه تعدد البيئات الثقافية في بنيته الفكرية والثقافية ومنهجه البحثي الذي يتعامل به مع النصوص والأدباء برغم اختلاف مرجعياتهم الثقافية.
لقد تغذت شخصية البازعي الفكرية والثقافية من جدولين مختلفين لكنهما ساهما في نهاية الأمر في تكوين نبع هذه الشخصية المستقلة؛ دون أن يطغى جانب منهما على الآخر، فتلك الثقافة الغربية الحيوية التي شاهدها وعايشها إبان دراسته للماجستير والدكتوراه، يقابلها ثقافة عربية جامدة وقف عليها من خلال قراءاته في مراجعه الثقافية العربية؛ لكن هذين المصدرين أثّرا إيجابًا في صقل منهجه البحثي.
لذا ركز البازعي من خلال مسيرته العلمية على إبراز جانبين مهمين؛ هما:
1-القراءات الجمالية في الشعر، وتناول كثيرًا الشعر السعودي بالبحث إلا أن اكتناه التجربة الشعرية وتكوناتها كانت تتطلب منه الوقوف على لمحات متشابهة بين الشعر العربي والغربي في نقاط محددة بحسب تناولاته النقدية.
2-ومن منطلق الجانب الأول في الاهتمام بالشعر فقد سعى دائبًا إلى الكشف عن الشخصية العربية في الإرث الأدبي القديم؛ إذ ساهم تكوينه الثقافي الأول في الوقوف بدرجة مكافئة في القوة للمكون الثقافي التالي، مما حرره من الهيمنة الثقافية الغربية -التي يقع تحت وطأتها بعض المثقفين- فعاد إلى الإرث العربي يستوحي جمالياته ويبرزها بين الفينة والأخرى في مقاربات مقارنة تنوعت بين القديم والحديث والمعاصر.
لقد حاول من خلال الجانبين السابقين تهشيم الحواجز بين التجارب الإبداعية العربية والغربية القديمة والحديثة؛ على اعتبار أن التجربة الإبداعية وعوامل تكوينها ثابتة واختلاف المرجعية الثقافية لا يغير آلية تكونها؛ فالناقد يتعامل مع النص بطريقة شعورية وليس بطريقة فكرية كما يرى ذلك بروست.
ويبدو أن فكرة إلغاء الحواجز في الأدب عمومًا ماثلة في ذهنه حتى على مستوى الأدب الذي تتحد مرجعيته الثقافية؛ لذلك لم يفرق بين الأدب الشعبي والنخبوي؛ لأن الإحساس الجمالي والفني يعتمد على المدهش الذي لا تستأثر به ثقافة دون أخرى أو أدب دون آخر، فليس ثمة مقدس في الأدب غير الجمال الذي يحقق الدهشة مرة بعد أخرى مهما تعددت القراءات أو امتد الزمن ليكون شاهدًا على بقائه.
لقد تآزر إيمان البازعي بأهمية تنوع المؤثرات الثقافية مع فكرة ضرورة تعدد قنواتها في المجتمع تلك التي كانت محدودة في بدء تكوينه الثقافي، مما جعله يخلص للعمل الثقافي في فترة رئاسته نادي الرياض الأدبي ذلك العمل الذي لم يتوقف بل امتد من خلال البرامج الثقافية والأدبية التي استمر في تقديمها تحت مظلة الملتقى الثقافي الذي يقدم اليوم برامجه المستقلة، وهي تستمد قوتها وثباتها من قوة وثبات مؤسسها الداعم والجاذب للطاقات الثقافية الفاعلة مؤسسًا بذلك لمشروع ثقافي يتحرر من القيود والعزلة.
** **
د.دلال بنت بندر المالكي - جامعة شقراء - أكاديمية وشاعرة