مع بدايات القرن الواحد والعشرين برزت السياحة لتكون أحد الاقتصادات البارزة في العالم. وكان لتطور النقل الجوي الدور الكبير في ذلك؛ كونه أحد المكونات الرئيسة في صناعة السياحة.
إنَّ وجود نظام نقل متطور يعني إمكانية الوصول إلى الأسواق السياحية المختلفة من خلال تقديم خدمات أفضل للمسافرين. في السابق كان الناس يقضون معظم وقت الرحلة في التنقل من وجهة إلى أخرى، بينما اليوم لم يعد المهم عند السائح المسافة المطلوبة للوصول إلى وجهة محددة، بل أصبح الوقت المطلوب لذلك هو الأهم، وهذا هو تأثير النقل الجوي على نمط السفر.
أصبحت السياحة الوافدة واحدة من أهم فئات التجارة العالمية. وفي عام 2011م تجاوز إجمالي إيرادات الصادرات الناتجة من السياحة الداخلية، بما في ذلك نقل الركاب، 1.2 تريليون دولار أمريكي. وفي الستينيات الميلادية بدأ الطيران المدني التجاري بالنمو، وأصبح عاملاً رئيسًا في بداية انتعاش السياحة العالمية، كما نعرفها اليوم. إضافة إلى أن التقدم الملحوظ في وسائل النقل الجوي كان نتيجته زيادة الثروات في البلدان الصناعية والناشئة. كما ارتفع عدد السياح المسافرين في العقود الأخيرة ليصل إلى مليار سائح في عام 2012م بعد أن كان عدد السياح المسافرين في عام 1950م 25 مليون سائح فقط على مستوى العالم!
وفي عصرنا الحديث يصل أكثر من نصف السياح الذين يعبرون الحدود في جميع أنحاء العالم كل عام إلى وجهاتهم جوًّا. وتعمل كل من منظمة السياحة العالمية التابعة للأمم المتحدة والمنظمة الدولية للطيران المدني على زيادة التعاون بين السياحة والنقل الجوي بسبب الأهداف المشتركة بين الصناعتين، ومن خلال العمل مع عدد من المؤسسات والوكالات الدولية ذات الصلة، مثل: مجلس السفر والسياحة العالمي واتحاد النقل الجوي الدولي. وكل هذه الجهود تبذل على النحو الذي يجعل كلاً من السفر والسياحة عنصرَين رئيسَين في صناعة استراتيجية متكاملة.
لا يمكن إنكار الدور الذي تقوم به كل من شركات الطيران والمطارات في فتح وجهات سياحية جديدة. فمهما كان في أي دولة مواقع سياحية هائلة، لا يمكن الاستفادة منها سياحيًّا وزيارتها بدون وسائل النقل والطرق المناسبة. لقد أتاح النقل الجوي فرصة استكشاف القارات، والعديد من المناطق والجزر التي كانت بعيدة الوصول بالنسبة للإنسان. وما زال هناك العديد من المقاصد الثابتة في العالم التي لا يقبل عليها عدد كبير من السياح، أو بعضها لم يشهد زيارة أي سياح لها حتى الآن بسبب قلة توافر النقل الجوي إلى تلك الأماكن. كما أن التقدم في التقنية والتطور في صناعة الطائرات أسهما في تخفيض غلاء تكلفة النقل الجوي، وإتاحة فرصة السفر والسياحة لشريحة أكبر من المجتمعات في جميع أنحاء العالم.
إن قضية تنمية السياحة وربطها بالنقل الجوي من أهم عناصر التنمية المستدامة التي تتعامل معها المنظمات الدولية بجدية. وفي عام 2015م نظمت كل من منظمة السياحة العالمية التابعة للأمم المتحدة ومنظمة الطيران المدني الدولي منتدى رفيع المستوى ضمن أعمال الجمعية العامة الـ21 لمنظمة السياحة العالمية في كولومبيا، الذي شددت فيه المنظمتان الدوليتان على العلاقة الوثيقة بين السياحة والنقل الجوي، وأن السياسات المتباعدة بينهما تعيق بشكل كبير التطور الاقتصادي للدول. ونتج من هذا المنتدى بيان مديَيْن حول السياحة والنقل الجوي لأغراض التنمية؛ إذ أقر ممثلو أكثر من 120 دولة بأن «السياحة الداخلية تسهم في توزيع أفضل المنافع وفرص العمل والثروة على نطاق الوطن. وهي شديدة الصلة والترابط بالقطاعات الأخرى للحياة الاجتماعية والاقتصادية لكل دولة. وللنقل الجوي أهمية متزايدة لنمو السياحة الداخلية في العديد من الدول في مختلف أنحاء العالم. وعليه، لا بد لتنمية السياحة الداخلية من أن تكون جزءًا لا يتجزأ من التخطيط الإنمائي الاستراتيجي الذي يسهم في تعزيز القدرة على الصمود والتنمية المستدامة على الصعيدين الوطني والمحلي».
** **
بسمة عبدالعزيز الميمان - متخصصة في العلاقات والمنظمات الدولية - مجال السياحة والتراث