د. محمد بن يحيى الفال
في حوار صحفي مطول بين سمو الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء، وزير الدفاع الذي أجرته وكالة أنباء بلومبيرغ الأمريكية بمجموعة من محرريها الدوليين ترأستهم الصحفية البريطانية الشهيرة ستيفاني فلندرز، ويُعد هذا الحوار هو الثاني والمطول الذي أجراه سموه مع الوكالة الأمريكية، حيث تم إجراء حوار سابق لسموه مع الوكالة في شهر إبريل 2016 تحدث فيه عن خططه لرؤية اقتصاديات المملكة المستقبلية التي تعتمد أساساً على تقليل اعتماد مداخيل وميزانية الدولة على سلعة النفط فقط.
وبقراءة متأنية لحوار سموه مع الوكالة الأمريكية يتضح بأنه تركز على ثلاثة محاور رئيسة هي السيادة الوطنية، تعزيز أمن المملكة من خلال تقويض ما يهدده من الداخل والخارج واقتصاد المملكة ومستقبله انطلاقاً من رؤية 2030. في محور السيادة الوطنية وخصوصاً بعد عدد من تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن المملكة التي يعرف كل من عاش في أمريكا أو على إطلاع بنظامها السياسي بأنها تصريحات لا تخلو من وقوعها في خانة التوظيف الانتخابي فقط خصوصاً كون أمريكا على موعد مع انتخابات في السادس من شهر نوفمبر المقبل وهي انتخابات ذات أهمية قصوى للرئيس الأمريكي ترامب الذي يواجه الكثير من التحديات لرئاسته وخصوصاً فيما يتعلق بأحقيته بالفوز بالانتخابات الأخيرة التي جاءت به كرئيس للولايات المتحدة الأمريكية. أهمية انتخابات الكونغرس المقبلة في غاية الأهمية لمستقبل الرئيس ترامب كونها انتخابات التجديد النصفية لأعضاء الكونجرس بغرفتيه مجلس النواب ومجلس الشيوخ التي سوف يشمل التجديد فيها لكامل 435 عضواً هم من يشكلون مجلس النواب، وعدد 39 من أعضاء مجلس الشيوخ الذين يبلغ عددهم 100 عضو بواقع عدد «2» - ممثلين- عن كل ولاية أمريكية، ومع هذا الظرف الاستثنائي الذي جاءت فيه تصريحات الرئيس ترامب فقد كان رد سمو الأمير عليها في غاية الوضوح وبأن المملكة لا تدفع ثمن مقابل حماية أمنها الذي هو الركن الأساسي من سيادتها الوطنية الذي لا تتنازل عنه لأي جهة أخرى مهما كانت صديقة وحليفة، ومع تأكيد سموه لهذه الحقيقة التي كان لا بد من توضيحها لقطع الطريق على الإعلام المؤدلج الذي ترفع رايته قناة الجزيرة القطرية الذي كعادتها دندنت وصالت وجالت في تحليلات بعيدة كل البعد عن الواقعية السياسية والمثيرة للشفقة لفحوى تصريحات الرئيس ترامب وتحميلها ما لا تحتمله. وأوضح سموه بأن هناك فرقاً بين ما صرح به الرئيس الأمريكي وبين السبب من وراء الأزمة الدبلوماسية مع كندا، فالكل يعرف وكل منصف يتفق بأن تصريحات مسئولي السفارة الكندية في المملكة كانت خارجة تماماً عن اللباقة الدبلوماسية وتدخل سافر في الشأن السيادي للمملكة على أراضيها وفي شئون تخص مواطنيها وبأن الأزمة مع كندا سيتم طيها باعتذارها عن تدخلها غير المنطقي وغير المقبول في شأن سعودي سيادي. وفي السياق نفسه وفي رد سموه على سؤال لوكالة بلومبيرغ حول إذا ما كانت الأزمة مع كندا وألمانيا واعتقالات فندق اليتز كارلتون قد أخافت المستثمرين السعوديين والأجانب على حد السواء، كان رد سموه واضحاً ومُطمئن للغاية بأن المملكة لم ترغب في حدوث ما حدث لولا الاضطرار لذلك وهو الذي سيتم تخطيه والتركيز على تحقيق رؤية المملكة 2030.
محور تعزيز أمن المملكة كان واضحاً في حديث سموه للوكالة الأمريكية وبأن المملكة لن تتنازل عن حقها في الدفاع عن نفسها ضد التهديدات التي تواجه استقرار أمنها ورفاهية شعبها، وأكد سموه خلال المقابلة بأن من تم القبض عليهم لم يكن بسبب أرائهم الشخصية حول العديد من قضايا المجتمع بل لتورطهم، الذي تم تسجيل بعضهم بلقطات مصورة تثبت بما لا يدعو للشك تعاونهم مع جهات استخبارية مرتبطة بكل من إيران وقطر، وفيما يخص حرب اليمن أكد سموه بأن المملكة والعالم لن تسمحا لنسخة من حزب الله في التحكم في مصير إمدادات النفط للعالم وسوف يستمر الضغط على الانقلابين في اليمن حتى يكونوا مستعدين للتفاوض، وشدد سموه على أهمية أمن المملكة بقوله لمحرري وكالة بلومبيرغ الأمريكية « لن نخاطر بأمننا القومي من أجل مصلحة دول أخرى».
محور اقتصاد المملكة ومستقبله في حوار سموه مع الوكالة الأمريكية أخذ النصيب الأوفر من الحوار ولعل الملاحظة الأولية التي تسترعي الانتباه هو دقة سموه في سرد تطورات رؤية المملكة 2030 ودعمه لهذه التطورات بالأرقام ومواعيد التنفيذ وهو أمر يؤكد المرة تلو الأخرى بأن سموه على إلمام تام بكل تفاصيل تطورات تحقيق رؤية المملكة 2030 من ألفها إلى يائها. الملاحظة الأخرى والغاية في الأهمية التي ذكرها سموه في الحوار مع بلومبيرغ هو تفنيده بشكل قاطع لأي تأثير على نجاح رؤية المملكة 2030 بسبب تأجيل طرح اكتتاب أرامكو، موضحاً سموه أن سبب التأجيل هو إعطاء الأولوية نحو تصحيح مستقبل شركة أرامكو ونقلها فقط من شركة منتجة فقط للنفط الخام إلى مُصنع له وذلك من خلال استحواذها على نسبة 70 % من الشركة السعودية للصناعات الأساسية (سابك) بشراء نسبة هذه الحصة من المالك لها وهو صندوق الاستثمارات العامة، وبأن أحد أهم مصادر تمويل الرؤية سوف تتم من خلال مصدرين هما صفقة بيع حصة 70 % من سابك لأرامكو ومن بعد ذلك وخلال سنة أو سنتين سيتم طرح نسبة 5 % من شركة أرامكو للاكتتاب العام الذي سيترك أمر تقرير مكان طرحه للفنيين والمختصين في أمور الاكتتاب من محاميين وبنوك.
وفي سؤال عن نسبة البطالة في المملكة ومشاركة القطاع الخاص في مستقبل الاقتصاد السعودي، كان رد سموه فيما يخص الجزء الأول المتعلق بالبطالة بأن إعادة هيكلة الاقتصاد قد تبدو فيه البطالة تراوح مكانها ولكن الحقيقة خلاف ذلك إذا وضعنا في عين الاعتبار نسبة الفجوة الكبيرة بين نسبة البطالة بين كل من الرجال والنساء التي يسعي سموه لتقليصها وهو الأمر الذي يراه بعض المراقبين حجر زاوية في تحقيق العدالة والشفافية في التوظيف التي سببت ضرراً كبيراً للنساء الذين كانت فرصهم في الحصول على وظيفة محصورة في قطاعيين حكوميين فقط هما التعليم والصحة، ولعل توجه سمو الأمير في تقليص فجوة البطالة بين الذكور والإناث في المملكة يذكرنا بالتجربة الأمريكية في هذا المجال التي وقع أمرها التنفيذي الرئيس الأمريكي الراحل جون كيندي في الستينات من القرن المنصرم والمعروفة اصطلاحا « بالتمييز الإيجابي»Affirmative) Action)، التي تعتمد مبدأ الأفضلية في التوظيف والتعليم والحصول على عقود أعمال مع الحكومة الفيدرالية وذلك لصالح مجموعات مهمشة بسبب العرق أو الدين أو العقيدة. وعن موضوع موازنة الميزانية والتي يضطلع بمهام تحقيقها برنامج التوازن المالي التي كان مقرراً تطبيقها مع ميزانية عام 2019، أشار سموه بأنه كان المقدور القيام بذلك وتم تأجيله لموازنة الميزانية للعام المالي 2013 وذلك بسبب توفر موارد ماليه إضافية ولنصائح كل من مؤسسة النقد السعودي والبنك الدولي وذلك من أجل تسريع النمو وتخفيض البطالة. وبخصوص مشاركة القطاع الخاص في مستقبل الاقتصاد بالمملكة أكد سموه بأن النسبة الحالية مرضية، ويتوقع المراقبون بازديادها مع ما أكده سموه في المقابلة من السعي نحو تخصيص 20 قطاعاً تجارياً تشمل قطاعات المياه والزراعة والطاقة وبأن النسبة الكبرى من مشاريع الخصخصة المقررة ستذهب للمستثمرين وبحصة صغيرة للحكومة للتأكد من جودة الأداء وللتخلي عنها بعد فترة وجيزة. خلال المقابلة كان هناك موضوعان وضح الاهتمام البالغ للوكالة الأمريكية بهما، الأول إعلان سموه بأن هناك صفقة استثمارية كبرى سوف يتم إطلاقها في مؤتمر مبادرة مستقبل الاستثمار الذي سيعقد في الرياض خلال الفترة الواقعة بين 23 و25 من شهر أكتوبر الجاري، حاول محررو الوكالة جاهدين لمعرفة ماهية المشروع الاستثماري الذي أشار إليه سموه وكان رده واضحاً بأنه سيكون مشروعاً استثمارياً في المملكة وسيعلن عه خلال المؤتمر. الموضوع الآخر الذي أثار فضول محرري بلومبيرغ تعلق بمساهمة المملكة في الشركة الأمريكية لصناعات السيارات الكهربائية» تيسلا موتورز»، وأفادهم سموه بأنه ليس هناك تخوف من مستقبل صناعة السيارات الكهربائية على سلعة النفط خصوصاً إذا وضعنا في عين الاعتبار بأنه ليس هناك وحتى الآن من يتحدث عن طائرات أو بواخر تستعمل الكهرباء كمصدر تشغليها، مضيفاً بأن صندوق الاستثمارات العامة يملك حصة 5 % من الشركة وبأنه سيكون للشركة سوق في المملكة وهو الأمر الذي سيتاح بنسبة 100 % لشركات التجزئة ومنها شركة أبل التي سوف تفتح قريباً متجراً لها في الرياض. وتطرق سموه لمدينة نيوم الحالمة التي شرفها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود بقضاء إجازته فيها وبأنها ستكون جاهزة ومكتملة بحلول العام 2025 واصفاً إياها بأنها دولة صغيرة في دولة كبيرة.