د.محمد بن عبدالرحمن البشر
الوطن هو المحبة والوفاء، هو العشق الذي لا نظير له، هو القيادة وأنتم ونحن، هو كل شيء جميل، هو بالنسبة لنا هذه الصحراء الممتدة، والجبال الشاهقة، والحدائق الوارفة والسهول والوديان، الباقية عبر القرون والأزهان شاهدة على أمم تعاقبت وخلدت الكثير من أساطير التاريخ والمجد.
الوطن هو ذلك الأديم الذي نسير عليه، أديم الآباء والأجداد، بكل ما صنعوه وقاموا عليه، يقول إليا أبو ماضي للمتكبرين:
خفف الوطأ ما أظن أديم الأرض
الأمن من هذه الأجساد
نعم أن أرضنا هي أديم أجدادنا، وستكون أديماً لمن بعدنا، لا أحد يمكنه أن يفقد حبه له، أو أن يعيش في غير ظله الوارف، التي به نسمات الصبا عند المساء، وتنساب به الماء، ومرتع الخزامي والنفل والأقحوان، وهو الذي قاوم ويقاوم حرارة الصيف، وقر البرد، وعواصف الرمال.
الظروف البيئية علمت أهل هذا الوطن، معنى الصمود والصراع ضد الحياة القاسية، فحفروا الآبار بمعاول بسيطة، وزرعوا النخيل في الأودية والواحات، وبقي الوطن وبقي أهله.
الوطن ليس أرضاً فحسب، وليس منشآت ورايات فحسب، بل هو حب ووفاء، وخدمة صادقة، ورؤية واضحة، وهو واحات الحضر، ومرابع البادية، وبساتين أهل الجبال، وهو اليوم الجامع لهم جميعاً في ورشة البناء التي لا تقف عند حد، ولا تتأثر بأيّ شيء كان، فالمسيرة قائمة ودائمة ومستمرة، أبناء هذا الوطن ملتفون حول قيادتهم، سائرون جميعاً على هذه الأرض المباركة لخدمة الوطن، ونشر الإسلام في المنطقة والعالم، ومحاربة التيارات الظلامية، التي أردات إخطاف أجمل شيء في الوجود هو الدين الإسلامي.
الوطن هو تلك التربة الظاهرة التي انطلق منها نور الإسلام لينتشر عبر الآفاق، وهو بلاد الحرمين الشريفين والكعبة الشريفة التي يصلي المسلمون نحوها خمس مرات في اليوم والليلة، مع ما صاحبها من نوافل، سواء كان المسلم في الغرب أو الشرق، وهي التي إنطلقت منها كلمة الحق حتى يومنا هذا، وفي هذه البلاد المباركة قبر الرسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وأصحابه، وهي التي يحج إليها المسلمون في كل عام طالبين الله العلي القدير أن يحفظ هذه البلاد وقادتها لخدمة المسلمين جميعاً.
هناك جيل قد عاش وما زال يعيش على تراب هذا الوطن، فعاش الكفاف في فترة من عمره ورأى كيف كان ذلك الجيل يبني بقدر استطاعته ويشيد، ويوفر لنفسه لقمة عيش من إنتاجه، وثمرة تراب هذا وطنه، وكيف أنه يعلم الأبناء بما تيسر من أساليب وأدوات وكتب محدودة، ومع هذا بقي صامداً سعيداً بوطنه، وهذا الجيل هو الذي شاهد النهضة المباركة، المتسارعة التي عاشتها المملكة عبر عقود من الزمن، وهو اليوم يشاهد البناء مستمراً بنمط فيه تجديد في ظل قيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله- وولي عهده صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان -حفظه الله-، وهذا الجيل يرى ويقرأ ويشارك في رؤية واعدة ترتكز على أسس قوية.
المواطن هو ذلك الإنسان الذي يدرك معنى الحب والوفاء للوطن بالقول والعمل، وهو الذي يرى في قيادته القدرة ويلتف حولها لتستمر مسيرة البناء، وهو الذي يدرك أن كل ذي نعمه محسود، وأن الاعداء لن يقفوا عن المحاولات اليائسة للنيل منه، لكن أبناء الوطن سيذودون عنه بكل ما أتيح لهم من أداة وآلة.
الوطن شعلة مضيئة لن تنطفئ -بإذن الله-، وهي التي ظلت تتوقد عبر مئات السنين لتنير الطريق للعالم كله، والوطن هو الذي لم يبخل على أبنائه بعد أن تدفق النفط، وأصبحت هذه البلاد بمكانتها الدينية والسياسية والاقتصادية أقوى من كل عاصفة تمر، وضرع عدو يدر، يظن أنه بذلك يضر.
اللهم احفظ المملكة وقيادتها، وأبناءها، وأكفنا شر الأشرار، وأعطنا من خير الأخيار.