أ.د.عثمان بن صالح العامر
كنت البارحة في زيارة لقريب صار مقعداً منذ أكثر من سنتين بعد أن كان يضرب به المثل في القوة والنشاط، وفِي ثنايا الحديث عن حاله التي هو فيها، كان يبدي استياءه الشديد من عدم زيارة بعض أقاربه له (ويتشره عليهم)، فهم لا يسألون عنه، ولا يتصلون به، ولَم يعزوه حين مات خاله و...، مع أنهم -كما يسمع- يزورون غيره ويصلون سواه من إخوته وأخواته وبعض أقاربه الذين يصغرونهم سناً ويتمتعون بصحة جيدة، رد عليه أحد أبنائه -القريبين له والملازمين عنده والحريصين على البر به ومتابعة حالته الصحية- قائلاً: هذا لأنك يوم كنت بصحتك وعافيتك لا تكترث بهم، ولا تزورهم، ولا تشاركهم أفراحهم، ولا تذهب لعزائهم، ولذلك فهم يعاملونك بالمثل، خلاف من تتحدث عنهم ممن يتواصلون مع الناس، ولذلك لا تشره عليهم ولا تتضايق منهم، فالناس تصلهم يصلونك، وتهتم به يهتمون بك، وتتعامل معهم جيداً يردون لك الجميل، فهي معادلة بسيطة لا بد أن تقتنع بها.
رد الأب، ولماذا أجل يزوني أناس كنت مقصراً معهم؟
وجاءت إجابة الابن: الناس تختلف فالبعض طبعه يتعامل مع الرحم على وجه المقابلة، وكما تفعل معي أفعل معك، ولا يهتم بما أنت فيه من حال: مريض، صحيح، كبير، صغير، المهم كما تعطي تأخذ، والبعض الآخر يحرص على صلة رحمه ليس مكافأة له على ما يفعله معه من تواصل وسؤال وإنما مبادرة وابتداء حتى ولو كان أصغر منه أو حالته الصحية جيدة، فهو لا يلتفت إلى ما كان منك بل يفعل هذا الشيء يريد ما عند الله.
هذا المشهد الحواري الذي نقلته لكم كما حدث، هو مشهد يتكرر كثيراً في حياة كل منا، ولا يلتفت له ويقلب صفحاته إلا من هده التعب وأعياه المرض وأقعده الكبر فصار ينظر إلى باب بيته، ينتظر من يفتحه عليه من أقاربه وأهل بيته، وربما لو عادت سنوات عمره لغير سيرته مع أرحامه وذويه الذين طبعهم لا يصلون من قطعهم للأسف الشديد، وهؤلاء هم كذلك على خطأ عظيم، إذ يقول عليه الصلاة والسلام (ليس الواصل بالمكافئ، ولكن الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها).
الإنسان في هذه الدنيا عرضة لتبدل حاله من حال القوة إلى الضعف وهو في حاله التي صار إليها بحاجة إلى من يزوره ويدخل السرور عليه حتى ولو كان قاطعاً ولا يهتم برحمه، ولا يعرف حقيقة هذه الحال وصعوبة الوحدة وقطع الرحم إلا من كان يوماً ما على السرير الأبيض أو من أقعده الكبر في بيته فصار يعد من يدخلون عليه واحداً واحداً، فلنكن أوفياء مع الكل رغبة بما عنده الله، وإلى لقاء والسلام.