شاهين عبداللاييف
شهدت أواخر الثمانينيات ومطلع التسعينيات من القرن العشرين تطورات متسارعة أدت إلى انهيار الاتحاد السوفييتي، غير أن بعد سقوطه بسنوات كان الشعب الأذربيجاني يسعى لاستعادة استقلاله المسروق وناضل من أجل هذا الهدف السامي.
واستطاع الشعب في 18 أكتوبر عام 1991 أن يصدر من خلال جهته التشريعية وهي المجلس الأعلى وثيقة دستورية عن الاستقلال الدولي، وأصبح هذا التاريخ يوما مشهودا ومجيدا في ذاكرته التاريخية، ولا سيما أنه استقلال تم استعادته مع مرور السنوات الطويلة.
لقد واجهت أذربيجان في السنوات الأولى من استقلالها المشاكل المختلفة أهمها العدوان الذي شنته أرمينيا ضد أذربيجان والذي أسفر عن احتلال 20 في المائة من الأراضي الأذربيجانية وتشريد أكثر من مليون مواطن من مدنهم وأراضيهم الأصلية، ولم تقف الاعتداءات الأرمينية عند هذا الحدث بل توالت عمليات القتل والإبادة الجماعية ضد المواطنين الأذربيجانيين الأبرياء أكثر من 20.000 شخص ومعظمهم من الأطفال والنساء والشيوخ، حيث دمرت وأحرقت المقدسات الإسلامية والمدارس والمساجد والآثار التاريخية التي تجسد قدم وأصالة وعمق الشعب الأذربيجاني.
وتمكن حيدر علييف بفضل سياسته الحكيمة المبنية على الخبرة المتراكمة عبر السنين وموهبته الفطرية من كبح جماح المعتدين واستقامة الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية، حيث تمت معالجة التراجع الاقتصادي وإطلاق البرنامج الإصلاحي في هذا المجال.
في عام 1994، توصل حيدر علييف لإبرام عقد القرن مع الشركات الدولية العابرة للجنسيات الذي تضمن نقل البترول الأذربيجاني من بحر قزوين إلى الدول الأوروبية عبر خط الأنابيب للنفط باكو - تبيليسي - جيهان، مما قاد إلى تدفق الاستثمارات الهائلة المقدرة بعشرات البلايين في الاقتصاد الوطني، الأمر الذي ساهم في القضاء على الترسبات الهيكلية المتوارثة من الاتحاد السوفييتي وبناء مؤسسات الدولة من خلال الإصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية الشاملة التي أثرت في نهاية المطاف على تحسين حياة المواطنين ورفع مستواها.
وبعد العمل الدؤوب والشاق الذي قام به الرئيس حيدر علييف بهدف بناء أذربيجان الجديدة والحديثة، أعلن قائلاً: (إن استقلال أذربيجان خالد ولا رجعة منه).
من جهة العلاقات الدولية، سارع حيدر علييف إلى إقامة علاقات الصداقة والتعاون مع دول العالم بشكل عام والعالم الإسلامي الذي تعد أذربيجان جزءاً لا يتجزأ منه وتشاركه الوثائق الدينية والتاريخية والثقافية والمعنوية بشكل خاص، ولا سيما الدول العربية التي تأتي المملكة العربية السعودية في مصاف أوائل الدول المعترفة باستقلال جمهورية أذربيجان.
تخلت البلاد عن الاقتصاد المخطط للحقبة السوفيتية، وتحولت إلى اقتصاد السوق الحر، وتم اتخاذ المعايير اللازمة لتطبيع الوضع السياسي بطابع الديمقراطية في مجمل البلاد، وكخطوة أولى في هذا المضمار، تم إقرار قانون الأحزاب السياسية، ووقعت أذربيجان على المعاهدات الدولية للحقوق المدنية والسياسية، «والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية»، بما في ذلك المستندات الدولية القانونية بشأن «حقوق المرأة السياسية»، و»وضعية المرأة».
لعبت الاستراتيجية الوطنية للطاقة والتي تم تطويرها وتطبيقها تحت قيادة الزعيم الوطني حيدر علييف دورا مهما في إحياء الازدهار والتقدم الوطني، فقد نجحت أذربيجان في سبتمبر 1994 في توقيع «عقد القرن» بقيمة عدة بلايين مع شركات النفط متعددة الجنسيات لتطوير حقول النفط البحرية في القطاع الأذربيجاني من بحر قزوين، ثم جاءت المبادرة الأذربيجانية بتنشيط «طريق الحرير» التاريخي لتقوية التعاون الاقتصادي والتجاري بين وسط آسيا، وجنوب القوقاز، وأوروبا، وتم إقرار الدستور الجديد عبر التصويت على مستوى البلاد بأكملها في 12 نوفمبر 1995 كجزء من العملية الأوسع لبسط الديمقراطية في ربوع أذربيجان وكنتيجة عملية لتطبيق أذربيجان للمعايير الديمقراطية، تم ضمها إلى المجلس الأوروبي في 2001.
كما أفلح فخامة الرئيس بفضل حكمته العميقة وسياسته المتروية في استرعاء اهتمام العالم إلى أذربيجان، مما زاد التعاون الثنائي المبني على النفع المتبادل، إذ إنه يشهد العالم اليوم تنفيذ المشاريع الدولية الضخمة، ألا وهي مد خطي الأنابيب للغاز TANAP وTAP اللذين يستهدفان نقل الغاز الأذربيجاني إلى الأسواق الأوروبية وإنشاء خط السكك الحديدية باكو - تبيليسي - قارص في مسعى لإنعاش طريق الحرير العظيم الواصل الشرق بالغرب وبناء ممر النقل الدولي «الشمال - الجنوب».
على صعيد إنساني وثقافي، اكتسبت أذربيجان طوال 27 عاما منصرما سمعة متميزة بوصفها دولة متسامحة ومتعددة الثقافات ذات تقاليد إنسانية في مد يد العون إلى الآخر، ويعود الفضل الأكبر لذلك إلى مؤسسة حيدر علييف التي أنشأتها السيدة مهربان علييفا.
وتحدوني الثقة بأن الشعب الأذربيجاني الملتف حول قيادته الحكيمة، سوف يواصل تقوية مرتكزات استقلال وطنه الغالي اليوم تلو الآخر، لكي لا تذهب دماء شهدائه هدراً، ولتبقى أذربيجان في مأمن من استشراء خطر انهيار الدول وتغيير حدودها السيادية بالقوة.»