شريفة الشملان
الأمور تزداد قتامة، والغيمة السوداء تلحق أختها، وتتوالد وتتكاثر غيوم لا تبشر بالمطر، وسمينا لم يعد هو الوسمي، وانتظار الربيع ربما سيطول وأن كنا نبتهل أن تلك الغيوم تمضي وتصفو أجوائنا جميعا..
النافخون على الشرارات كثر، تقترب الشرارات من بعضها حتى تكاد تكون نارا، نار قد تعمي العيون عن رؤية ما فيها، هي نار لا توقد لطبخ ولا لخبز ولا لمصنع ولكنها تنج الحرائق والمصائب..
نعم هناك شخص مفقود ولا يعرف بالضبط أين هو، هو شخص معروف وتولى مناصب إعلامية عديدة آخرها كان محطة تلفزيون العرب في البحرين وماتت في يومها الأول.. ومن ثم انتقل إلى الواشنطن بوست.
نعم مواطن سعودي اختفى بأرض غير سعودية، صحفي رأي.. وحق على الوطن أن يهتم باختفائه، ولكن ليس حقا أن يتهم الوطن به، ولا التكهن بأمور كثيرة وبعضها غريب وكأن البعض ينام ليلا ليفكر كيف وأين وماذا وكل واحد يلبس طاقية المحقق ليلا ثم يصحى نهارا ليسجل هواجيس لا أول لها ولا آخر..
القضية إنسانية نعم، ولكن أن تتشابك الرؤوس وتلتهب كل المحطات لتحرق الأخضر واليابس لا، وكل يصرخ بحيث يعمي الصراخ الفكر، نعم مواطن اختفى ولكن وطنه أولى به، وما دام التحقيق لم ينته بعد فالتكهنات والصراخ يعمي عن الحقيقة.
الجو يتلوث بطريقة مؤلمة وربما أقول خبيثة نكاد نستنشق هواء عكرا.. يقال النار من مستصغر الشرر فما بالنا والشرارات تتكاثر من كل مكان.
تزامن اختفاء الصحفي (جمال خاشقجي) مع اختفاء رئيس الأنتربول، رئيس الأنتربول وكلنا يعرف ما تعني الأنتربول. تعني الشرطة العالمية التي تلاحق المجرمين والمطلوبين للعدالة في أرجاء العالم، فما بالها عجزت عن إيجاده. وما بال العالم كله سكت والكل يعلم أين اختفى الرجل وكيف والمطالبة بمعرفة مصيره تعني المعرفة بمصير العدالة العالمية حيث زمامها بيد هذا الجهاز وهذا الرجل المختفي..
في كل جمعة يسير الفلسطينيون المحتجزون في بقعة غزة نحو الحدود وسموها مسيرة العودة وفي كل جمعة ضحايا شهداء وجرحى في بقعة أرض صغيرة بلا إمكانيات علاجية طبية وغدائية، والعالم يلف ظهره عنهم، ويصرخ لرجل اختفى ليبحث عن شعره في وسط تراكم التكهنات، في حين ما يحدث بغزة لا يحتاج لتكهنات. والعجب أن بعض المحطات بما فيها العربية ، تقول عن ذلك (تجدد اعمال العنف)).. لا علينا إن كان لغزة حكام يختلف معهم أم لا لكن الذين يموتون هم من سلبت أرضهم وضاعت حقوقهم حتى مجرد حلم بالعودة اغتصب..
هي الأمر تتشابك وفي هذا التشابك تضيع الحقيقة وتتلبد غيوم تنتج مرضا وألما وظلما. ويخسر الوطن الكثير..
نعم كلنا نريد أن نعرف: أين الرجل؟ ولكن علينا إلا نخسر أثناء ذلك الكثير ولا نسمح لغيوم الكراهية أن تملأ سماءنا،
قد يبدو جميلا أن العالم يقوم بكل هذه الضجة لأجل صحفي، الصحفيون يموتون ويقتلون وقد يختفون كثيرا، فالصحفي هو فدائي بطبعه ولازلت أتذكر أمريكا التي تنافخ الآن عن الحقوق كيف ضربت مبنى مكتب الإمارات في بغداد وقتل فيها المصور: طارق أيوب!!..
ستظهر الحقيقة عاجلا أم آجلا.. مشاركة السعودية بالتحقيق يجعلنا كمواطنين مرتاحي البال نظرا للخبرة الكبيرة لمحقيقنا، فكم من جريمة تم كشفها بمدة وجيزة، لازلنا نتذكر ذاك الأمريكي الذي قتل في الرياض ووضعت جثته في ثلاجة فكشفه محققونا بسرعة كبيرة. وبما أننا لازلنا بحقوق الإنسان أود أن أذكر عندما وقفت حرب 2003 على العراق، دخل الجنود الأمريكان ليتسلوا برجال يصلون بمسجد فقتلوهم، وتلك موثقة.. أول أناس عليهم الخجل من سجل حقوق الإنسان لديهم هم الأمريكان.
تبدو الأمور متشابكة، وتتعدى بعض الأقلام والصحف رصانتها وتردح..
حتما ستنجلي السماء وتظهر الحقيقة.. وسنرفع رأسنا عاليا، فقط قليل من الحكمة سيكفينا..