محمد بن عيسى الكنعان
تداعيات اختفاء الصحفي السعودي جمال خاشقجي في تركيا، المتمثلة بالحملة الإعلامية المسعورة ضد المملكة تحت دعوى أنها مسؤولة عن هذا الاختفاء رغم نفي المملكة الرسمي، وعدم انتهاء التحقيقات الرسمية المشتركة بين المملكة وتركيا؛ تلك التداعيات خيّلت للبعض سواءً في قناة (الجزيرة) الانتهازية، أو قنوات العهر السياسي على مستوى العالم أن المملكة دخلت أزمة دولية ستقضي على سمعتها عالمياً، وربما تجعلها في مواجهة أمام المجتمع الدولي وكأنها دولة خارجة على القانون لا قدَّر الله.
هذا التخيل المريض الذي وصل إلى حدّ الوهم مع سيل الأكاذيب الإعلامية والتقارير الباطلة فات على صاحبه أن التاريخ السعودي العريق، والسياسة الحكيمة للمملكة، جعلا من السعودية أنموذجاً في فن إدارة الأزمات وتجاوزها وفق الشروط التي هي من يضع بنودها، فكم تجاوزت أزمات معقدة، وأحبطت فتناً مشتعلة، وأدارت قضايا مصيرية كبرى في المنطقة أكبر بكثير من قضية اختفاء أحد مواطنيها، مع دعواتنا الله سبحانه وتعالى أن يُعيده إلى وطنه وأهله. وقد خرجت المملكة من كل ذلك بصورة نقيّة، وموقف شامخ، قوة مضاعفة؛ لأنها ببساطة عصيّة على أعدائها ومن يتربص بها، ومحل ثقة كبيرة لدى أصدقائها، وركن ركين لجيرانها، فهي تملك خبرة سياسية متجذّرة بالشأن السياسي، وثقل دولي لا يستهان به مدعوم بعلاقات رفيعة المستوى ومتينة الأصول، ومكانة مرموقة في العالم الإسلامي تجعل قلوب المسلمين معها، وريادة في وطننا العربي يتغنى بها كل عربي، يعرف دورها التاريخي المجيد في حروب وأزمات كبرى كحرب 1973م، وفي تحرير الكويت، وفي حماية البحرين، وفي عاصفة الحزم باليمن، وفي مكافحة الإرهاب. قضايا كبرى وملفات معقدة كان للسعودية الدور المحوري والكلمة الأهم.
فهل يعتقد جاهل أو متجاهل أو واهم أن دولة بحجم المملكة وثقلها، وعراقتها، وخصائص وحدتها، وقوة أمنها لن تستطيع إدارة ملف اختفاء أحد مواطنيها؟ وهي التي يركن لها الأشقاء في العالمين العربي والإسلامي، ويثق بها الشرفاء بالعالم عندما تقع أزمة إقليمية. لكن يبدو أن بعض وسائل الإعلام الغربية، التي مارست الدجل الإخباري بشكل مفرط حتى صارت تنسخ الافتراضات كأنها حقائق قد جعلت ذلك الواهم، سواءً في قطر أو طهران يظن أن السعودية - في هذه القضية - ستقبل مس سيادتها، أو تسكت على تهديدها، أو تغفل عن الاتهامات الباطلة بحقها. بينما الواقع أن السعودية في قضية اختفاء خاشقجي تعاملت وفق حنكتها السياسية والأعراف المتبعة في مثل هذه الأمور الحساسة، ولم تنسق إلى وحل الإعلام الغربي، ووراءه بعض الإعلام التركي، أو القطري ممثلاً بقناة (الجزيرة). والنتيجة نلمسها شيئاً فشيئاً في القنوات الرسمية بين المملكة وتركيا، التي وصلت إلى الاتصال الذي جرى بين خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز - حفظه الله- والرئيس التركي أردوغان، ما يبعث على الفأل بظهور الحقيقة، التي ستغيظ أعداء السعودية كالمعتاد، وتؤكّد للعالم أجمع أن تجاوز الأزمات فن تتقنه السعودية بامتياز، وعلى كل المستويات، وفي كل القضايا.