د.علي القرني
تتعرض المملكة لحملة مستعرة لم تشهدها المملكة منذ الحادي عشر من سبتمبر 2001م، بسبب اختفاء الصحافي السعودي جمال خاشقجي أثناء زيارته لمبنى القنصلية السعودية في إسطنبول بتركيا. وعلى مدى حوالي الأسبوعين الماضيين ومختلف الشخصيات السياسية في كثير من الدول، والكثير من شخصيات أجهزة أمنية واستخباراتية دولية، وكثير من صحف وقنوات ومواقع اليكترونية إقليمية ودولية تسعى إلى توريط الموقف السعودي في قضية الاختفاء.
وأصبحت المملكة العربية السعودية مادة إعلامية تتردد في كثير من الوسائل الإعلامية في تحليلات وسيناريوهات ومواقف، البعض يقف إلى جانب المملكة ولكن الكثير وقف ضد بلادنا في هذه الأزمة الحالية. وقد صنعت هذه الأزمة أبطالا لا يستحقون، وبطولات وهمية لأشخاص مغمورين، وانبرت قنوات التضليل في أحكام الاتهام إلى المملكة دون تبين الحقائق أيا كانت تلك الحقائق، وبأقل تقدير قبل انكشاف نتائج التحقيقات.
وتشكل هذه القضية أزمة دولية كبيرة بحكم ترابط جهات دولية مختلفة فيها، ولكون القضية وضعت في إطار غموض إنساني كأنها فيلم سينمائي ينتظر الجميع نهاية المشهد، وكيف وضع المخرج تلك النهاية، وبالتالي هذا الغموض جعل الشائعات تنطلق من كل مكان وتنال من كل شخص ومؤسسة ودولة ومجتمع دون استيضاح الحقائق الفعلية على أرض الواقع. فللإشاعة ركنان، هما الأهمية والغموض، وهذان الركنان متوفران في ملابسات هذه القضية، فالأهمية تكمن ليس شخص جمال خاشقجي فلربما له أهميته في دوائره الشخصية، ولكن الأهم والأهمية هو اسم المملكة وتداوله في القضية، أما الغموض فهو متوفر لعدم توفر حقائق عن الموضوع، وأصبح ما تزخر به وسائل الإعلام في كثير من دول العالم هو سيل من الإشاعات عن الموضوع.
هذه الأزمة الكبرى التي مررنا ولا زلنا بها، كيف عملنا فيها، وهل استطعنا أن نواجهها؟ وهل كسبنا معركة الإعلام أم خسرناها؟ هذه الأسئلة مهمة لمعرفة كيف ندير أزماتنا إعلاميا؟ فإدارة الأزمة إعلاميا هو جزء أساسي من بناء الحلول لها، والإعلام هو جزء محوري في صياغة المشهد المفضل، وبناء التفاصيل المطلوبة، ورسم مسارات التفكير الجمعي. فإذا غاب الإعلام غابت معه فرص التوظيف المنهجي للقضية، والتأطير الأصح للتفاصيل.
والإعلام ليس فقط في مخاطبة الجماهير العامة كما هو في شبكات التواصل الاجتماعي كتويتر مثلا بما يحلمه من هاشتقات، بل هو أيضا مخاطبة النخبة في الداخل والخارج، وفي مثل حالة وقضية القنصلية فمخاطبة النخبة العالمية مطلوب من الإعلام، لأن المحللين الدوليين كانوا يفتقدون رؤيتنا أو مواقفنا في القضية.
هل تكون في الإعلام لدينا خلية عمليات (غرفة عمليات) لمواجهة هذه الأزمة؟ أم أن كلٌ يعمل بمفرده ووفق تفسيراته، لا أعلم شخصيا، لكن من المهم أن تكون لنا هكذا خلية إعلامية تعمل باقتدرا وتمكن على وضع بناء عقلي لكيفية التصرف والمواجهة. وإذا عدنا إلى أساسيات الإعلام، فهناك أسئلة أساسية في مثل هذه القضية، وعادة في أي أزمة من الأزمات التي تواجهها مؤسسات أو دول: من؟ ماذا؟ لمن؟ وبأية وسيلة؟ وسؤال من؟ يعكس من يتحدث، ومن يعطي الحقائق أو المواقف؟ أما سؤال ماذا؟ فهو عن مضمون الرسالة الإعلامية كيف تكون وماهي الوقائع التي ينبغي إدراجها في الرسالة الإعلامية، هذه أمور مهمة ينبغي أن تعمل عليها الخلية الإعلامية لتحديد عناصر الرسالة، وتفاصيل الرسالة أو عموميتها. وسؤال لمن؟ نقصد به الجمهور، فأول الأوليات هو تحديد الجمهور المستهدف بالرسالة الإعلامية، ومع تقاطع وسائل الإعلام ودخول شبكات التواصل الاجتماعي تتقاطع شرائح الجمهور كذلك، وعلى الرغم من ذلك، ينبغي تحديد هذه الشرائح الجماهيرية، وتحديد بالتالي طبيعة ونوع ومضمون الرسالة الإعلامية الموجهة إلى تلك الشريحة سواء كانت داخلية أو خارجية. وأخيرا سؤال بأية وسيلة؟ هذه ترتبط بشريحة الجمهور المستهدف، وكيف يمكن أن نصل إليه. هذه أسئلة ترتبط بها غرفة العمليات الإعلامية لأي أزمة من الأزمات التي تواجهها الدول أو المؤسسات أو الشركات وغيرها.