د. فوزية البكر
رغم الضجة الإعلامية الصاخبة في كل مكان حول اختفاء المواطن والصحفي المخضرم جمال خاشقجي إلا أن الأمر نفسه وما صاحبه من ملابسات تحير حتى أعقل الحكماء وتدعوهم للنظر والتريث حتى ينكشف المستور حيث إن هناك تاريخاً طويلاً للدولة السعودية في التعامل حتى مع أعتى المعارضين ولم يحدث أن تم التعاطي معهم بهكذا صورة ولعل المثال الصارخ هو المعارض سعد الفقيه الذي يعيش متمتعاً بحريته في لندن وغيره كثير من المعارضين في الداخل والخارج وتتعامل الدولة معهم حسب الأعراف الدولية. نعم يوجد معتقلون ومعتقلات لكن لن ترى مسرحيات التعذيب التي تحدث عنها مثلاً بعض المعتقلين في بعض سجون العالم العربي أو العالم الثالث فهنا في المملكة توجد تقاليد راسخة متبعة في التعامل مع الموقوفين بما لا يعرض كرامتهم الإنسانية للخطر مع مراعاة التقاليد المرعية عند التعامل وخاصة مع النساء كما لا يتم تحميل أحد من أهالي أو أقرباء الموقوفين أي تبعات فتراهم يتولون أكبر المناصب وفي أخطر وأكثر المواقع حساسية دون تحفظات من ولي الأمر فكيف يمكن تفسير ما حدث من سعار إعلامي ضد المملكة في قضية الخاشقجي؟
ما لاحظته هو أمران:
الانشغال بحماس منقطع النظير (ويعلم الله لماذا فالأموال والمصالح تغلب على قول الحق) حول الموضوع الذي تحول من موضوع دبلوماسي وجنائي وحريات صحافة إلى قصة مثيرة ذات أبعاد إنسانية (هكذا قدمت القصة منذ البداية) حيث الخطيبة المزعومة تبكي راجية العالم أن يتعاطف معها للعثور على خطيبها فخطفت الاهتمام العالمي وهو ما يذكرنا بقصة احتجاز أطفال تايلاند في الكهف قبل أشهر وتعذر خروجهم لأيام حيث ظل العالم يلاحق قصتهم بسبب بعدها الإنساني حتى عودتهم سالمين إلى أهاليهم وهو ما نتمناه في قضية خاشقجي.
ثانياً: مع الهجوم الظالم على المملكة لم يحدث أن فكر أحدهم باستعراض التغييرات الكبيرة التي أحدثتها الرؤية في مفاصل المملكة العربية السعودية في وقت قياسي إذ لم يعنِ المعلقون مثلاً بالجهود المكثفة للمملكة ولولي العهد تحديداً والتي بذلت ولا تزال تبذل في مكافحة بؤر التطرف والإرهاب وهو أمر يعني الغرب وسلامته وسلامة العالم بقدر ما يعنينا.
لم يعنِ أحد برصد التغيرات القيمية العميقة للإصلاحات الاقتصادية الكبيرة التي أدخلتها الرؤية من مثل طرق تعامل الناس مع الكهرباء والماء ومشاوير السيارات وكلها مواضيع بيئية تعنى العالم كله وندفع ثمنها الآن تثميناً للرؤية البعيدة النظر في أننا جزء من هذا العالم وما نفعله ونؤمن به من ممارسات يومية سينعكس علي بيئة ومناخات العالم كله.
لم تُعنَ القنوات بتتبع التغيرات الجذرية في هيكلة الاقتصاد لتحويله من اقتصاد ريعي يعتمد على البترول لاقتصاد يعتمد على ثروات دائمة هي الثروة البشرية السعودية التي يتم الاستثمار في تعليمها وإعادة تدريبها الملايين من الشباب بما يعود بالمنفعة العامة على البلاد والعالم ويوجه الشباب لخدمة البشرية جمعاء.
لم تُعنَ القنوات الإخبارية بتتبع التغيرات الجذرية التي طالت حياة المرأة السعودية على المستوى اليومي سواء كانت ربة منزل أو طالبة أو موظفة أو تبحث عن عمل، حيث تحسنت إلى حد كبير الشروط القانونية التي تحكم تعليمها وعملها وفتحت الأبواب على مصراعيها لتدريبها وتوظيفها، وتم إزالة الكثير من العوائق الوهمية التي كانت تحاصر حركتها مثل قيادة السيارة وموافقات الولي على الدراسة أو العمل... الخ.
لم تُعنَ القنوات التلفزيونية بتتبع حياة السعوديين والمقيمين الذين بدأوا يستمتعون بحياتهم خارج المنزل دون ملاحقات من رجال الحسبة الذين كانوا قد تجاوزوا صلاحياتهم في مضايقة الناس والشباب بدرجة شكلت ضغطاً مخيفاً دفع الناس إلى محاولة الهرب من البلاد في أية فرصة وسمحت لنقودهم بالتسرب خارجها دون أن يستطيع الوطن استثمارها فعملت الرؤية على إيجاد القنوات الترفيهية والثقافية التي تتماشى مع عادات البلاد وتقاليدها الراسخة بما يوجد منافذ مريحة للعائلات والشباب في بلادهم دون خوف أو ملاحقة.
الرؤية تعمل على جعل البلاد محط العالم سواء عبر السياحة الدينية أو الأثرية وذلك عبر المشاريع الضخمة التي تعمل عليها هيئات مختلفة مثل إنشاء الهيئة الملكية لمحافظة العلا وغيرها كثير.
الرؤية ستفتح الأبواب لملايين الوظائف عبر استخدامها البيئي المدروس لشواطئ وجبال المملكة بمناطقها ومناخاتها المنوعة.
الرؤية آخذة في إعادة صياغة التعليم العام والجامعي بما يخلق ثروة بشرية مؤمنة بدينها ووطنها ومنفتحة على العالم بمهارات شخصية ومهنية تؤسس الشباب السعودي ليحتل موقعه بدل العمالة الأجنبية في كل موقع.
يمكن لنا الاستمرار في سرد انعكاسات الرؤية على حياتنا اليومية والوظيفية والاجتماعية إلى ما شاء الله، لكن سؤالنا هو هل يمكن اختصار المملكة بتاريخها وعوالمها المذهلة ومواردها الحيوية الطبيعية والبشرية في قصة اختفاء الصحفي رغم بشاعة ما حصل وإلصاق التهم بالسعودية لدوافع سياسية؟ كيف يمكن للإعلام أن يكون منحازاً وظالماً إلى هذه الدرجة دون أن يستند إلى نتائج توصلت إليها لجنة التحقيق؟