عبد الله باخشوين
جمال خاشقجي عُرف كرجل استخبارات قبل أن يتم ترشيحه للعمل في إحدى الصحف السعودية الناطقة باللغة الإنجليزية، ثم ينتقل للعمل في جريدة الوطن رئيس تحرير دون أن يكون لقُراء العربية معرفة به ككاتب. ويبدو أن نشاطه الكتابي بالإنجليزية هو الذي أهَّله للموقع قبل أن يُستبعد منه، ويبرز اسمه في الساحة الصحفية والإعلامية كمحاور تلفزيوني، شاهدنا بعض حواراته في قناة الـMBC، وجاءت الأخبار التي تتحدث عن ترشيحه لإدارة قناة (إخبارية) متخصصة تابعة للمجموعة الإعلامية التي يمتلكها الأمير الوليد بن طلال، ثم توقف (المشروع) قبل أن يعود اسم (جمال) للبروز في عام 2017 من خلال صحيفة (الواشنطن بوست) بطريقة يقول عنها المفكر الكبير (تركي الحمد) من خلال حوار بثته قناة الـMBC في برنامج (بالمختصر) إنها مدعومة من (قطر) في إيضاح أكد من خلاله أن دعم قطر لـ(الواشنطن بوست) تم لإعادة نسختها الورقية للحياة بعد أن كانت قد توقفت. وأشار إلى ارتباط (خاشقجي) بالإسلاميين (ومن المعروف أنه التقى أسامة بن لادن، وأجرى معه أكثر من حوار قبل أحداث سبتمبر). وأشار إلى عمل الرجل في الاستخبارات خلال فترة وجود الأمير تركي الفيصل على رأس جهازها، ودون أن يتطرق إلى مضامين كتاباته. أضاء شخصية الرجل بطريقة حيادية ومعلوماتية، تمكِّن المشاهد من الاستنتاج والتحليل.
ودون الإشارة إلى مواقفه وآرائه التي لا تهمني في شيء أشير إلى أنه كان يستوقفني دائمًا بطريقة أسلوبه في الطرح التي كانت لا تخلو من (التعالي)، خاصة أنه كان يتحدث عن (القيادة السعودية) في مواقفها السياسية والجوهرية وكأنه لا ينتمي للبلاد ولا هو من أهلها.. بل يملي على الملك سلمان - حفظه الله - وولي عهده (زين الشباب) ما يجب أن يقوما به في هذا (الشأن أو ذاك)، وبأسلوب يتناقض مع كل حقوق حرية الرأي المتعارف عليها. ورغم هذا كنا نجد أريحية وسعة بال وأفق من قِبل الملك وولي العهد، ولم يبرز على السطح بأي شكل من الأشكال على الساحة الإعلامية وفي أوساطها؛ وهو ما يوحي بالضيق أو الرغبة في الرد عليه عبر أية قناة إعلامية.
لذلك يؤكد سفير المملكة في واشنطن الأمير خالد بن سلمان أن العلاقة بـ(جمال) كانت جيدة، وأنه زار السفارة أكثر من مرة، وما زيارته لسفارة أو قنصلية المملكة في (إسطنبول) إلا نوع من التأكيد على يقين الرجل بحقيقة حُسن النوايا تجاه شخصه، وتجاه كتاباته وآرائه وأنشطته الإعلامية.
أما دافعي الشخصي وراء كتابة كل هذا الذي تقدم فهو تصريح زين الشباب محمد بن سلمان الذي قال بثقة وأريحية إن (المملكة لا مانع لديها من السماح بدخول القنصلية وتفتيشها رغم أنها موقع سيادي). وللأسف أن حُسن النية وصدقها مع الحالة والظرف والمكان، بل تجاه (مجمل الحدث)، ووجهت بهذه الحملة الشرسة الظالمة للمملكة.. وهي تحمل ما هو أبعد وأكبر من الدفاع عن المواطن السعودي جمال خاشقجي الذي لو جاء اختفاؤه في أي مكان لا يتصل بالمملكة لكان قد مر كمجرد خبر عابر كغيره من الأخبار التي تتعلق بحوادث كثيرة مشابهة.
لكن من الواضح أن ما حدث هو سيناريو مدبَّر من أجهزة استخباراتية متحالفة ومتعددة الأهداف والجنسيات، هدفها المملكة الكيان والقيادة والشعب، وليس الدفاع عن جمال.