د. محمد عبدالله الخازم
إصدار أنظمة جديدة وتحديث بعض الأنظمة أمر مطلوب ومهم لتطوير العمل التنظيمي، وقد تسنى لي الاطلاع على مسودات بعض الأنظمة والنقاشات التي تدور حولها ولاحظت بعض النقاط التي تستحق التنويه. التنفيذيون هم من يتولى وضع الأنظمة والتشريعيون يراجعون! بعضهم يعتبر تأسيس النظام فرصة لوضع رؤيته الخاصة، فيبعد الآراء التي لا توافقه ويشكِّل لجاناً أعضاؤها ممن يتفقون معه في الرأي، والخوف هنا أن تأتي الأنظمة منحازة لفكر شخص واحد أو مجموعة صغيرة من الأشخاص، بل إن الأنظمة التي نشرت لأخذ آراء العموم فيها، لم يستفد من آراء الجمهور لأن التنفيذي غير قادر على النظر إليها بتجرد وقد يراها تنتقص من كفاءته. التنفيذي لا يدرك أحياناً أنه لن يدوم في مكانه وأن النظام يخدم مستقبلاً بعيداً وليس مرحلة راهنة فقط.
تتحول الأنظمة من الجهاز التنفيذي لجهات أخرى وطريقة معالجتها أحياناً هي النظر للمواد بشكل مجتزأ، فتصبح آراؤهم مجرد تعديل صياغات لمواد محددة وتكييفها مع واقع تنظيمي وليس الغوص في فلسفة النظام وأبعاده وغاياته الكبرى. هذا ليس طعناً في كفاءة تلك الجهات لكنها آلية العمل السائدة أحياناً.
بعض الأنظمة لا تفرِّق بين مادة النظام كقانون عام وبين المادة الإجرائية أو التنفيذية فتجد بعض المواد عموميات وبعضها ذات صيغ تنفيذية ضيِّقة. كما أن هناك عدم تفريق بين مادة تعالج ظرفاً أنياً ومادة تعالج مدى زمنياً مفتوحاً. بعض الأنظمة تبقى عقوداً طويلة دون تغيير وبالتالي يجب النظر للنظام بأنه يؤسس نظام عمل دائماً وليس مؤقتاً. تجد على سبيل المثال مادة تشير إلى أن للمجلس الفلاني وضع القواعد المنظمة، بينما مادة أخرى تجدها تحدد تفاصيل تنفيذية تتعلّق حتى بالجانب المادي وهو المتغيِّر وبكيفية سير المعاملات بيروقراطياً ... إلخ.
صياغة الأنظمة تتطلب خبراء في مجال النظم والقانون واللغة الصادر بها النظام وتتطلب فكرة فلسفية أو رؤية عامه تتسق مع توجهات الدولة. للأسف لاحظت أنظمة غير محكمة الصياغة، وأنظمة لا تعرف فلسفتها؟ مثلاً؛ هل نشجع الاستقلالية في النظام أم نشجع تحكم الجهة المرجعية؟ هل نشجع جهازاً حكومياً صغيراً أم جهازاً حكومياً بيروقراطياً كبيراً؟ هل نشجع مشاركات واسعة للعاملين في المجال أم نشجع المركزية والفردانية في اتخاذ القرار؟ هل نشجع الثقة في التنفيذي أم نجرّده ذلك ونرجع كل قرار لجهات عليا؟
لاحظت قياديين يشاركون في وضع أو مراجعة أنظمة بالاعتماد على ممارستهم اليومية وحدسهم وتجاربهم الشخصية، دون بذل جهد في الاطلاع على المستجدات الحديثة وعلى ما كتب أو نشر في المجال ... إلخ. لا يجهدون أنفسهم في قراءة ما نشر وقيل في المجال، سواءً بحثياً علمياً أو صحفياً، أو بالاطلاع على أنظمة بلدان مختلفة. التنفيذي يعتبر نفسه عالماً لمجرد توليه منصباً حكومياً وينسى العمل بطريقة علمية، رغم أن أغلب من في مراكز قيادية يحمل درجة علمية عليا نالها بسبب تعلمه الطرق العلمية للبحث والقراءة واستنباط الآراء وتحليلها. أحياناً أسأل: ما قيمة الدكتوراه إذا كان حاملها لا يجيد تطبيق ما تعلّمه من أساليب قراءة وبحث ونقد وتفكير ونقاش؟!