م.عبدالمحسن بن عبدالله الماضي
1. مع مطلع التكوين البشري كانت المجتمعات تقوم على الصيد البري والبحري وحصاد النباتات القابلة للأكل.. كان الناس في تلك المجتمعات أكثر تساوياً بلا طبقية ظاهرة.. ولم يكن تجميع الثروات ذا معنى.. فالجميع لديه اكتفاء ذاتي يلبي احتياجاته.. وكانت لهم عادات وتقاليد يتحكم بها السحرة ومدعو علم الغيب أو القوى الخارقة.. وكل جهودهم الاحتفالية تصب في مفهوم الطقوس التي تجلب الخصب وتمنع الكوارث وتحد من الأوبئة.. وهكذا.
2. المجتمعات البدائية لم تكن تصنع سوى أدوات الصيد البدائية.. أو مواد البناء التي تقيهم حرارة الشمس والمطر والبرد والثلوج.. أو مواد الحفر لجلب الماء.. ومعدات الطبخ.. وكان الناس متساوون إلى حد بعيد في مجريات حياتهم واستهلاكهم.. ولا يوجد بينهم غني أو فقير.. وتخصص الرجال في الصيد وتخصصت النساء في حصد المحاصيل وجمعها وتربية الأطفال.. وكانت سلوكيات التعامل فيما بين الناس تقوم على التعاون لا التنافس.
3. خلال المرحلة الثانية من تكوين المجتمعات انتقل الناس إلى الاعتماد على الزراعة واستئناس الحيوانات ورعيها.. وتطورت وسائل الزراعة وطرق تربية الماشية.. وانتشرت حالات التملك للأراضي.. وبرزت حالات التنافس وظهرت الطبقية بين غني وفقير.. وبدأت المشاكل والعداءات تطفو على السطح بين الفلاحين والرعاة.. وبالتالي تعقدت الحياة.
4. تطور الزراعة أدى إلى الاستقرار ونشأت بسببه القرى والبلدات.. وهذا بدوره أوجد صناعات جديدة كصناعة الخدمات وبرزت ظاهرة الاستعباد.. وقد تأسست أول مملكة بشرية في مصر قبل سبعة آلاف عام.. وبعدها ظهرت الإمبراطوريات في الحضارات القديمة.. وانتشرت ظاهرة الغزوات والفتوحات والتحكم في الشعوب الأخرى.. واستمر هذا الشكل من التكوين المجتمعي آلاف السنين حتى مطلع الثورة الصناعية قبل مائتي عام تقريباً.
5. مع انطلاق مرحلة الثورة الصناعية.. وما صاحبها من تكوين تجمعات سكانية جديدة وكبيرة جداً نتيجة استخدام موارد الطاقة البخارية والكهرباء.. ونتج عن ذلك نشوء مجتمعات تم تسميتها بالمجتمعات الصناعية.. وهي تختلف إلى حد كبير عن النظم الاجتماعية التي عرفتها البشرية في مطلع التكوين.. لذلك وصفت تلك المجتمعات «بالمتقدمة».. وكانت الغالبية العظمى من السكان تعمل في المتاجر والمصانع والمكاتب لا في المزارع.. وصار أكثر من (90 %) من الناس يسكنون في المدن التي تتوافر فيها فرص العمل.. وهذا أحدث تحولاً مهماً في حياة الناس.. حيث غاب البعد الشخصي والترابط الأسري وظهر البعد الوطني والدولة الوطنية.. وأصبحت الحدود السياسية أكثر وضوحاً عن ذي قبل.