د.دلال بنت مخلد الحربي
منذ مدة ونقاش طويل حول التخصصات الجامعية وضرورة موافقتها لمتطلبات سوق العمل، وهذا يعني أن لايكون هناك تخصص إلا وتكون هناك وظائف متوفرة يشغلها الخريج.
وإذا كان هذا المعيار يمكن أن يطبق على تخصصات بعينها مثل الهندسة والطب والحاسب الآلي والديكور وغيرها من تخصصات تجد لها موقعاً في خارطة العمل، فإن هناك تخصصات أخرى يصعب حصرها في هذا المعيار من مثل العلوم الإنسانية بشكل عام، كاللغة العربية والتاريخ والجغرافيا، وقد تكون بعض الأقسام الإنسانية مما يدخل في هذا المجال ذلك لأن أغلب الخريجين في التخصصات الإنسانية تستوعبهم مهنة التدريس، والبعض يقبل في أماكن لا تهتم بالتخصص بقدر ماتهتم بالموظف الذي قد يعمل في السجلات أو أن يكون إدارياً أو مراقباً أو مفتشاً، أو غير ذلك مما يمكن ان يوظف فيه هذا المتخرج.
والمؤكد أن مادامت هناك مدارس فإن الحاجة قائمة إلى هذه التخصصات النظرية أو الإنسانية، والقول بأن هناك تشبعا من هذه التخصصات غير صحيح، فطالما أننا ندرس التاريخ في المدارس، فلابد من مدرسين ومدرسات في هذا المجال، وما دام ندرس العربية فلا بد من مدرسات للعربية، والمعضلة أن هناك من يرى هذه التخصصات (بنصف عين) وأنها عبء لابد من التخلص منها، وقد فعلت إحدى الجامعات سابقاً ذلك إذ أغلق قسم التاريخ، ولكن أعيد فتحه عندما أدركت الجامعة خطأ رأيها.
إن المعالجة لا تتم بالإغلاق، وإنما تتم بالتنسيق والدراسة المعمقة، وقبل كل ذلك عدم ربط هذه التخصصات الإنسانية بسوق العمل لأنها من المفترض أنها تخصصات تثقيفية لا نستغني عنها، والمهم جداً تطوير أدائها، وجعلها مواكبة للعصر وإخراجها من دائرتها الضيقة، وأنا هنا أتحدث عن قسم التاريخ بضرورة إخراجه من مساره التقليدي إلى مساره الحديث، ويستفاد من ذلك من تجارب العالم المتقدم إذ لا يزال التاريخ يدرس في الجامعات الكبرى، ولا يزال هناك من يّدرسه بمحض رغبته وإرادته.
لكن كيف يتم ذلك؟
هذه مسألة تحتاج إلى متابعة هذا الواقع في مواطنه باختيار عينة من الجامعات الشرقية والغربية والبحث عن واقع أقسام التاريخ فيها، والمواد التي تدرسها، ومن يدرسها، وكيف تدرس؟.
أما القول بوقف أو إغلاق هذه الأقسام لأنها لاتحظى بالقبول في سوق العمل فهو رأي شاذ غير علمي وغير واقعي ولا يمكن أن نعكس جناية الجمود الذي أصاب هذه الأقسام بسبب عدم تفاعل مسيرتها، فنعاقبها بالحجب والأقفال والاستهانة.