د. جاسر الحربش
قيمتان تحرص المملكة العربية السعودية بكل مكوناتها الحكومية والشعبية على المحافظة عليهما، قيمة مركزها الديني لمليار ونصف المليار مسلم، وقيمة موقعها الجغرافي للعالم العربي. العربي هو من يتكلم باللسان العربي وليس بالعرق كما قال سيدنا عمر إنما العروبة اللسان، والمسلم هو من يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله.
فيما يلي مثال حي عن حرص السعودية على حفظ قيمة المركز الديني: انتشر قبل أيام مقطع فيديو عن مقهى أو مرقص في مدينة جدة السعودية، قد تكون الواجهة المصورة له مجرد واجهة لكنها تكفي لإثارة القلق والتوجس مما قد يحدث خلف الواجهة. بادرت السلطات السعودية فوراً بإغلاق المحل وتقديم ملاَّكه ومديريه للمحاكمة.
قد لا يهتم المسلم في أقاصي الأرض لما يحصل في بلده الأصلي أو حيث يقيم في بلد غير مسلم، لكنه شديد الاهتمام بما يحصل في المركز الديني لجميع المسلمين. المليار ونصف المليار مسلم لا يتمنون فقط وإنما يطلبون ويتوقّعون بقاء الجغرافيا الإسلامية المركزية بعيدة عن الممارسات السائبة غير المقيدة، ومنها تلك التي تحتمي بشعارات الحريات الشخصية وحقوق المثليين والجندر في دول أخرى منها بعض دولهم الإسلامية أو الدول التي يقيمون فيها خارج العالم الإسلامي. الإقفال الفوري للمحل المشبوه في جدة وتقديم ملاَّكه وإدارييه للتحقيق فيهما البرهان القاطع على حرص السعودية على الالتزام بنقاء ما تحت مسؤولياتها الإسلامية، وذلك عن قناعة ذاتية شعبية وحكومية وليس استجابة لرغبات المسلمين الآخرين.
النهج الواضح في مرحلة الحكم السعودي الحالي هو التزام الدولة بالوسطية بين المذاهب والتيارات الإسلامية والحريات الشخصية المسؤولة، ولم يكن الأمر بهذا الوضوح في التطبيق في مراحل سابقة. الوسطية تعني احترام الشعائر الدينية ما لم ترتكب محرّماً أو ممنوعاً شرعياً منصوصاً عليه، والوسطية في التعامل مع الحريات الشخصية المسؤولة تعني احترام تصرفات الناس العلنية ما لم تخدش شيئاً من الانضباط المتفق عليه لسلامة المجتمع والأسرة وكقواعد أخلاقية تحفظ الفرد والأسرة والمجتمع من الانحلال والتفكك. ما يحدث خلف الأبواب المغلقة، غير المعلن وغير المجاهر به لا يمكن أن يقع تحت مسؤولية أية سلطة سابقة أو لاحقة لأنه لم يخل أي مجتمع قديم أو جديد من الشواذ التي لا حكم لها على العام.
مثلما أنه لا تجوز المجاهرة بالعبادة لغير الله فإنه لا تجوز المجاهرة بالعلاقات غير الشرعية أو الموحية بها أو الترويج لها، ومنها الاختلاط الغرائزي المنفلت في المراقص والمشارب أو العلاقات المثلية.
على من به هوى لمثل هذه الممارسات أن يركب الطائرة إلي خارج البلاد، حيث لا سلطة للدولة السعودية حكومةً ومجتمعاً عليه، وهو يتحمَّل النتائج أمراضاً وضياعاً داخل أسرته ومجتمعه. لا أعتقد ولو في الخيال أن المجتمع السعودي بكل مكوناته سوف يحيد عن هذه الاشتراطات الدينية والاجتماعية، لكنه في نفس الوقت لن يمارس الشطط الطقوسي التزمتي الذي كان سائداً فيما مضى وجلب الكثير من المصائب علينا وعلى الآخرين.
أما بخصوص قيمة المركز الجغرافي لملايين العرب ففي الموضوع الكثير من الشجون ومن المزايدات على السعودية. المزايدون على عروبة العربية السعودية لا يريدون الاعتراف بأنها تبنت مسؤولية القلعة الصامدة للدفاع عمَّا تبقى من الكيانات العربية ولإيقاف الانهيارات المتتابعة. إنهم لا يريدون الاعتراف بأن أحداث الربيع العربي التي طبلوا لها فتحت الأبواب للحروب القبلية والطائفية وسهلت التدخل الغربي والروسي في العالم العربي وهدمت العراق وسوريا واليمن وليبيا بتطبيق مشروع الفوضى الخلاَّقة لإعادة تركيب الحدود والدول حسب خطط صممت في الغرب قبل ربع قرن. لو لم تصمد السعودية ومصر ودولة الإمارات العربية المتحدة لكانت الفوضى فتكت بمصر وأضاعت البحرين واليمن وأشعلت النيران في داخل السعودية والإمارات.
وبخصوص تطلعات المليار ونصف المليار مسلم فإن الأمور تسير في السعودية كما يتمنون عن قناعة ذاتية، وأما بخصوص ملايين العرب فستكون العبرة بالنتائج ولكل حادث حديث.
وكتعليق على هامش الإعلام المسعور ضد السعودية بخصوص قضية الصحفي خاشقجي، من المهم جداً أن يفهم المسلمون والعرب أن السعودية لن تسمح للشواذ والعملاء والمشككين بتقويض قيمها المركزية لكل العرب والمسلمين.