هدى بنت فهد المعجل
- إلى أي درجة استطاع الشعر أن يقف على قضايانا ويتناقش معها أو يتحاور، دون أن نفرض عليه إيجاد حل لتلك القضايا؟
- إلى أي درجة أمكن للشعر الاقتراب من رجل الشارع وتلمّس همومه ومعاناته ووجعه؟
- هل تُلقَى المسؤولية على النثر «وحده» في تتبع القضايا ومناقشتها؟ أو نحمّله مهمة القرب من أولئك الرجال مع تلمس همومهم؟
استفهامات لا تنفك تتحرش بذهني، وتقض مضجع غفوتي، دون أن أصل معها إلى بر الإجابة أو سرابها والبحر.
الشعر: ديوان العرب، وهو يستطيع - كما يشير علماء التصوف - أن يعبر عن (استبصارات) و(حدوس) حول طبيعة الأشياء، بل إن عقول الشعراء كثيراً ما تبدو وهي تمتلك القدرة على إدراك الحقيقة على نحو مباشر وفوري وبدون توسط مرهق من التفكير الاستدلالي، وهي ما تسمى عادة بالحدس. فالحقيقة التي تدركها النفس اللاواعية تجد التعبير الطبيعي عنها في الشعر. الشعر تجربة التأمل العميق حتى يحدث التعري من الصور الحسية التي أثقل بها والنفاذ إلى روح واحدة يتحد معها لدرجة الغبطة، والنشوة، والبساطة، والوحدة حينما يخلو الذهن من كل مضمون تجريبي؛ الأمر الذي اعتبر الشعر وغيره من الفنون وسيلة متصوفة الإسلام التي يفضلونها للتعبير عن تجاربهم في أبيات متألقة عميقة إلى أقصى حد يستطيعونه؛ ذلك لأن الشعر يسرف في الاستعارة والمجاز عند التعبير، ويؤثر في نفسية المتلقي ويستدرج ذائقته ومتعته أكثر من النثر. الشعر قد يتفجَّر نتيجة حادثة مأساوية أو وجع غائر مثله مثل التصوف؛ وقد قرأت في كتاب (التصوف والفلسفة) أن أول تجربة صوفية لفرد جاءته عندما صعقه الموت الفجائي لشخص ما كان حبه مركز حياته، ووجد نفسه في تجربته الصوفية وقد تصالح تماماً مع حزنه رغم أن الحزن لم يكفّ أن يكون حزناً، ولا أتصور أن يكف الحزن عن كونه حزناً، وهو الشجن الذي نحنّ إليه ونتودد عندما تطول مدة غيابه عنا، وهنا نقترب من الشاعر ومحرضات كتابته للشعر التي منها الحزن، والأسى، والوجع، والألم. إذاً فالشاعر في وقوفه على مآسي مجتمعه، وعند اقترابه من منغصات حياة أفراده، يكون الأجدى بالتفاعل والانفعال ومن ثم الفعل، أيضاً هو الأجدر بالتعبير من غيره، تعبيراً يضمد جراح الحزانى، ويجبر كسر المنكوبين. فأين أولئك الشعراء؟ لماذا هم أبعد ما يكونون عن (المفارقة اللفظية) التي يستخدمها المتصوفة لتعزيز الجمال أو الشعر في لغتهم؟ المفارقة: حيلة بلاغية مهمة يستخدمها الكاتب في أي مشروع بغرض كسب التأييد حينما يُعبّر عن مضمون فكرته بأسلوب مؤثر يتسم بقيمة جمالية ورونق شعري.
الشعر: ديوان العرب يوشك أن يفقد اللقب ويسقط الراية وهو يحمّل مسؤولية قضايانا للنثر، كُتّاب النثر وكاتباته.