عبدالوهاب الفايز
تعودنا في التغطيات والمقالات التي تتناول قضايا الشرق الأوسط، أو الإسلام أن نرى التراجع الكبير في معايير المهنية والموضوعية التي تدعي وسائل الإعلام الغربية الالتزام بها، فهم مدركون لقلة معرفة قرائهم بقضايانا، وهذا يسهل تمرير حملات (البروباغندا) والأكاذيب. هذا التراجع المهني نراه واضحاً في الحملة الحالية التي تبنتها مؤسسات إعلامية حافظت على موقفها المعادي للمملكة منذ سنوات بعيدة، فصحف مثل النيويورك تايمز، الواشنطن بوست، والجارديان، لم يعرف عنها أن كتبت جمله إيجابية واحدة عن السعودية، فهذه صحف (مؤدلجة) تكشفها دراسات المحتوى المتخصصة.
ومؤشرات هذا التخلي عن المهنية وتحويل المحتوى الإعلامي إلى (بروباغندا صريحة)، في وسائل الإعلام الأمريكية لم نره في الحملة على السعودية، بل يتجلى في الحملة المستهدفة للرئيس الأمريكي الذي اتخذ إستراتيجية المواجهة الصريحة القوية مع مؤسسات إعلام التيار الليبرالي السياسي المتطرف، لأنه يعرف أنها ضد برنامجه السياسي، ولن تلتقي مع المنطلقات السياسية والاجتماعية لقاعدته الشعبية. وإستراتيجية المواجهة الصريحة للرئيس ترمب وضع هذه الصحف في إطار (الخصم)، وهذا أدى إلى تحييد تأثيرها في قاعدته الشعبية التي أصبحت تضع موقفها الإعلامي المعادي للرئيس في إطار اللعبة السياسية، أي مفرغة من موضوعيتها. الحملة الإعلامية المصاحبة لموضوع الأستاذ الزميل جمال خاشقجي، أعطت الفرصة للمؤسسات الإعلامية لاستهداف السعودية مستغلة بخبث عناصر الإثارة العديدة، والإعلام من طبيعته (يقتنص اللحظة)، وبالتأكيد هي فرصة ذهبية لبيع المحتوى، خصوصا أن وسائل الإعلام التقليدية في سباق منافسه قوي مع وسائل التواصل الاجتماعي، وهذا تقريباً أحد الدوافع القوية للاهتمام بالرئيس ترمب لأنه قدم عنصر تشويق وإثارة، والسباق لاستثمار الإثارة يتم تغليفه بادعاء الدفاع عن القيم السياسية! هذا الدفاع الإنساني والمهني لا نراه مع الصحفيين الذين يتم اغتيالهم كل أسبوع تقريباً، ومنذ أبريل الماضي من العام الحالي تم اغتيال 28صحفياً في العالم، منهم 4 في أمريكا، حسب بيانات لجنة حماية الصحفيين. قتل الصحفيين في أي زمان ومكان جريمة إنسانية وسياسية، ولا جدال في هذا، والصحفيين يخاطرون بأرواحهم لأجل الحقيقة، ولأجل تحقيق أهداف إنسانية وحقوقية، وقصص قتل هؤلاء تمر في وسائل الإعلام الرئيسة، كأحد الأخبار العادية جداً، لأن المصلحة الإعلامية (الإثارة) غير موجودة، ولأن المقتول لا يقدم الفرصة للتصفيات السياسية، أو الدفع بالأجندات الخاصة.
المتابع الدقيق لأغلب المقالات والتغطيات التلفزيونية في الحملة الحالية يرى تراجع المهنية في الاعتماد على مصدر واحد للأحداث وغالباً غير معروف، وعدم كشف المصادر، واللجوء إلى التسريبات الإعلامية.
هذا التراجع المهني مطلوب لأن له أهدافاً محددة. إنه يستهدف التشكيك في مخرجات مشروع التحول الاقتصادي في المملكة عبر الادعاء أنه يتجه للفشل. أيضاً يستهدف رسم صورة نمطية سلبية عن سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان. استهداف شخصية ولي العهد واضح في التغطيات، وهنا يتم اتباع أسلوب (اغتيال الشخصية)، وهو مسار تعتمده وسائل الإعلام كجزء من الحرب النفسية والأيديولوجية، وهو ما تستخدمه مع الرئيس ترمب.
الأمير محمد بن سلمان يقدم نموذجاً جديداً للزعامات التي تؤمن بتنوع المصالح والتحالفات، ومنذ أن تبنت المملكة التنوع والانفتاح على التجمعات السياسية والاقتصادية، بالذات في الشرق الأقصى، توقعنا (التكلفة السياسية) التي علينا أن ندفعها، لأن هناك من ينتظر الفرصة لكي يفسر هذا التحول كخروج عن دوائر المصالح التقليدية الغربية التي يبدو أن القناعة توطنت لديها أن السعودية عليها أن تبقى في إطار قوي الهيمنة التقليدية على منطقة الشرق الأوسط.
الأمر المهم لنا الذي يحد من أثر التغطية الإعلامية غير الموضوعية هو أن النخب الثقافية والفكرية المستقلة السعودية، وجزء منها تلقى تعليمه في الغرب، (كحال النخب العربية)، تتصادم وجدانياً مع توجهات الإعلام الأمريكي وسياسات أمريكا، ويعود هذا إلى موقف الإعلام الأمريكي والغربي عموماً من قضايا الشرق الأوسط وقضايا الإسلام، فأغلب النخب المتعلمة المثقفة تعي الموقف الإعلامي المنحاز ضد حقوق الفلسطينيين، لذا لا تكن أي احترام وتقدير لمؤسسات الإعلام الغربية بالذات، وبالتالي هي في خصومه ثقافية معها.
وهذه الخصومة سوف تغذيها الحملة القائمة بدون شك، لأنها حرب على الوطن والإنسان.