د.ثريا العريض
مع المتابعة الإعلامية المكثفة في كل القنوات العالمية حول سيناريو اختفاء المواطن السعودي جمال خاشقجي, ومتابعة تغطياتها وتفاصيل وتداعيات تأطيرها في قناة الجزيرة تحديداً ومن لف لفها, يتبين للمتابع الحيادي ليس فقط تباين وجهات النظر, بل وتجيير كل متحدث يدلي بدلوه فيها لخدمة موقفه المسبق من السعودية. تحت راية الدفاع عن حقوق الإنسان يبرر كل تعدٍّ, وتخفي أجندات الأنانية والكراهية والانتهازية الخاصة.
وفي مقابل ذلك أجزم أن التدافع الذي تشهد به ساحات الرأي في تغريدات تويتر من غالبية المواطنين لدعم الوطن وقادته وتأكيد قيمه وسموه على أي تهمة صفيقة, لم يأت من حث غير ذاتي, أو إغراء مقابل مادي.
سعدت باتفاق الجهات المعنية في المملكة وتركيا بإجراء تحقيقات مشتركة لقطع الشك والتلفيقات الإعلامية باليقين المادي والإثباتات القابلة للتأكيد والقبول.
وتابعت تصريحات شخصيات دولية نافذة في مقابلات إعلامية حول هذا اللغز المحبوك كحفرة لإسقاط سمعة السعودية والتأثير في علاقاتها الدولية. من رؤساء دول من بينهم ترامب الولايات المتحدة, ومكارون فرنسا, وترودو كندا, وماي بريطانيا , وميركل ألمانيا, وجوتيرش الأمم المتحدة؛ كل يتكلم من موقع منصبه ومصلحته وقيمه, ويدس رغباته , ويصل كلامه عبر وسائل الإعلام مجتزءا محرفا بالترجمة والتحوير ليناسب أهداف الوسيلة التي تنقله أو تعيد نقله. وربما كان ترامب بمباشرته وفجاجة أسلوبه الشعبوي أصدقهم في تفصيل العلاقات الاقتصادية التي تؤطر موقفه من الدولتين وغيرهما , خاصة حين يكون خطابه موجها إلى الداخل مستعرضا عضلاته. أما خطابه إلى قياداتنا فتقف أهميته وتأثيره على موقفنا من أنفسنا وسياديتنا ومسؤوليتنا تجاه حقوقنا داخليا وعالميا.
شخصياً, لا أجد صعوبة في تفهم اعتراض المملكة على أي تصريح أو تجريح ملغم بالاتهام قبل وضوح نتائج التحقيقات القائمة. ولا أستغرب رفض التدخلات المغرضة. وليته جاء فوريا؛ ليؤكد عدم التهاون في سيادية الدولة, ورفض تدخل الآخرين في سياساتها تحت أي مبرر. وأجد في التأخر دليلا على أن المملكة لو كانت ضالعة في السيناريو لكانت مستعدة بصيغة رسمية تجاهه.
قياداتنا لا تجهل أن جمال خاشقجي شخصية ظاهرة إعلاميا واختفاء مثله لن يمر دون انتباه. وهو نفس ما يدركه مخطط سيناريو الاختفاء. ولذا اختير جمال ليثير اختفاؤه ضجة وصخباً.
لذا أسعدني أن يصدر بيان رسمي من مصدر مسؤول وينشر رسمياً ليبين موقفنا من الحدث, ومن تصريحات الآخرين حوله. وأن أي إجراء يتخذ سيقابله إجراء صارم, وأن التدخل في الشؤون الخاصة بنا ليس ساحة مفتوحة للهجوم المتقصد المتلثم تحت مظلة حرية التعبير أو الحقوق.
لم تنكر المملكة أن إجراءات التحقيق قائمة باهتمام وبأساليب علمية وجدية تقتضيها المصداقية في مسؤوليتها لمواطنيها وسلامتهم. ولكن البعض وجد في الحدث ليس فقط مادة إعلامية بل مشجبا يعلق عليه رغبوية تمنياته الإيديولوجية والسياسية والاقتصادية.
فليهدأ الجميع في انتظار النتائج خارج أطر الاختلاقات الفردية المتنمرة.
ولن يطول الأمر والتقنيات الحديثة وخبراؤها متوافرون للتحقق من أي دليل يتوافر. والتحقيق في أيد أمينة لطرفين معنيين هما المملكة وتركيا.
وهنا أعود لأقول ما أراه شخصياً: إن كلا الطرفين مستهدفان أو بالأحرى ما يمثله كل منهما في الجوار الشرق أوسطي المضطرب. كلاهما قوة فاعلة لا ترغب في بقائهما قوة فاعلة جهة تكره وجودهما مؤثرين في مستقبل المنطقة واستدامة توافقها وتعاونها وتصديها لأي محاولة لتغيير خارطتها.
تحقيق مخلص يبحث عن المستفيد من تصديع سمعة وعلاقة الطرفين سيكون الخيط الذي يقود والضوء الذي يوضح من فعل ماذا في سيناريو اختفاء المواطن السعودي جمال خاشقجي؟ ولماذا فعل ذلك.