د. حسن بن فهد الهويمل
لقد كنت ضد مصطلح [عرب الشمال] ومواقفهم الازدرائية لعرب الجزيرة، والخليج. وماكنت حفياً بالدراسات المعمقة للدكتور المسدد [سعد الصويان] الذي أكد هذه الظاهرة، وعللها بمنهج معرفي استقصائي.
غير أن ما أسمعه، وأراه يعيدني إلى قراءة الظاهرة بعيون الواقع، لا بعيون المثاليات المتعالية على سَلْق الألسنة الحداد.
[نزار قباني] شاعر المواخير، والأرداف، والجنس المُتَحَيْوِنْ، يَقْدُمُ هذه الشراذم في النيل من إنسان [الجزيرة العربية]، الذي حقق من الإنجازات الحضارية، والمدنية ما لم يقدر عليه أدعياء الحضارة، والعلم.
[المملكة العربية السعودية] بإمكانياتها المتعددة، وثقلها السياسي، والديني، والاقتصادي أصبحت قبلة الكفاءات العربية، الوافية، والمتنكرة.
يأتي البعض منهم متحاملاً على نفسه المبرمجة، لأنه يشاهد من التحضر، والتمدن مايدينه في أحواله القائمة.
لقد شحن [نزار] نفوساً مريضة، قابلة للتشكل السيء بقوله:
أَيَا جَمَلاً مِنْ الصَّحْرَاء لَمْ يُلْجَمْ
وَيَا مَنْ يَأكلُ الجُدَرِيُّ منك الوَجْه، والمِعْصَم
بأني لن أكونَ هنا.. رماداً في سجاراتك
ورأساً بين آلاف الرؤوس على مخداتك
أيا متشقق القدمين.. يا عبد انفعالاتك
إلى آخر الهراء، والتقيئات، ولغة المواخير، وذات الرايات.
هذا الصوت الشبق تهافت عليه الحَقَدَة، والموتُورون. وجعلوا من خبيث كلمه جَرَعاتٍ لتخفيف صداع الانكسارات، والهزائم النفسية.
لَمَّا نفرغ بعد من تعرية افتراءات [خالص جلبي] السوري، حتى طلع علينا أفاك آخر، اسمه [خير الدين قباوة] وهو الآخر سوري الجنسية، وكان زملاؤه في القسم يسمونه [غباوة]. لأنه [كالهر يحكي انتفاخاً صولة الأسد].
كل أولئك نالوا من [المملكة] حكومة، وشعباً، ومن بعض مناطقها, ومدنها، بعدما وللَّوا مدبرين. لقد حاولوا عقر سمعتها، وماعقروها, ولكن شُبِّهَ لهم. فكانوا أشأم على أهلهم من عاقر الناقة.
[القصيم] جزء من مملكة كسرت كبرياء الأشرار. بلدٌ عربي، سجل حضوره المتميز منذ العصر الجاهلي، حتى العصر الحديث، فَعِنْدَ كُلِّ شجرة، وعلى قمة كل جيل، وفي كل واد حَدَثٌ تاريخي، أو أثر إبداعي، يتغنى به كل عروبي.
و(سِيَرُ أعلامٍ نبلاء)، من شعراء, وكرماء, وفرسان نجديِّين, يعرفها أولئك في كتب التراث، التي هيأت لهم، ولأمثالهم فرص العمل في دول الخليج. ويكفي أن شعار سكن [طه حسين] بعض آثاره [الرَّامتان].
[القصيم] بما هي عليه في ماضيها المجيد، وحاضرها السعيد حياةٌ تسر الصديق، وشموخ يغيظ العدى.
والذين أطلقوا الأحكام المعممة على كافة أطياف المجتمع للتنفيس عما يعانون، دلق اقتابَهم الحسد، وألهبت مَشَاعِرَ الحقد عندهم معاناة الذلة, والمسكنة التي عاشوها مع أشاوس السلفية، وعمالقة العلم الشرعي, والعربي. ومع قلة من الجهلة المنغلقين, المتشددين.
جاء البعض منهم إلى مملكة الجذب، والعطاء، والأمن، والإيمان، والرخاء، وليس في عيابهم، قيم، ولا في السنتهم مصداقية، فتلبسوا بقيم المملكة مكرهين، واتخذوها مجاملين، وحين خلا لهم الجو، خلعوا أردية الزيف، وتعرت أخلاقياتهم النفعية, الوصولية, الارتزاقية.
[صَلَىَ المُصَلِّي لأَمرٍ كَانَ يَطْلُبُهُ … فَلَمَّا انْقَضَى الأَمرُ لاَ صَلىَّ وَلا صَامَا]
وحاشا أن نعمم، فكم تلقت (المملكة) عامة، و(القصيم) خاصة من الكفاءات العربية من أسدى لنا العلم، والأخلاق. جاء كريماً، وعاش كريماً، وخرج كريماً، لم يتنكر لمعروف، ولم يَفْتَرِ قولاً، لأن معدنه كريم. وقد أشادَ (قائد البلاد) في بعض أحاديثه بمن بدت بصماتهم في هذا الشموخ.
وممن جاء، ولم يناسبه الوضع, لملم أغراضه، وخرج غير مغاضب، محترماً سجايا غيره، معتزاً بسجاياه.
[القصيم]، و[أهل القصيم] ليسوا معصومين، وليسوا فوق المساءلة، والنقد. وليسوا سواء، فهم كغيرهم. وبعض الوافدين ربما أنه اصطدم بنوعيات جاهلة متشددة، ومعاناته حملته على التعميم، وإطلاق الكلام على عواهنه, ولو خصَّ لما ليم.
[جلبي]، و[قباوة] مثل السوء، لأنهم عمموا نقدهم، وأشاعوا مفترياتهم، وكشفوا عن سوءاتهم.
- فهل عاقل يقبل مثل هذا الافتراء؟.
- وهل عاقل يُقْدم على قول مثل هذا الهراء؟.
يقول [قباوة] - فض الله فاه -:- [يدعي أهل بريدة أنهم وحدهم المسلمون، وأن غيرهم ضال مضل]. وأنهم يَعُدُّون [أهل عنيزة فساق، وأهل الرياض فساق]، ويمضي في هذيانه المحموم.
المؤلم أن هذا الإفك صدر من استاذ جامعي، لم يكمل تعاقده لتعاليه الفارغ. لقد عاش في [بريدة] ثلاث سنوات، ولم يبد امتعاضه، لأن في فمه ماء.
افتراءاته تلك لو قالها في وسط عاقل رشيد، لاقتضى الأمر نقله إلى مصحة نفسية، أو إلى دار إصلاحية.
فهو بين أن يكون [مريضاً نفسياً] يحتاج إلى علاج، أو متجنياً مأجوراً يحتاج إلى مطاردة حقوقية، تضعه في القائمة السوداء.
هذا الصنف عار على أي مؤسسة يكون من ضمن العاملين فيها. وعار على أي مجتمع ينتمي إليه.
لقد عرفته فيمن عرفت، وعرفت فيه الادعاء، والتعاظم، يرى نفسه أمة واحدة.
ويكفي لكشف (حطيئيَّاته) قراءة مقدمة تحقيقه لكتاب ( مغني اللبيب), لقد بدى صلفه, وتعاليه, وادعاؤه العريض, وسبه, وتجهيله لأكثر من مائة عالم سبقوه في تحقيق, وشرح ( المغني), وهو عالة عليهم.
مقدمته الفاضحة تعد وثيقة للإسفاف القادح في المروءة.
لقد استقبلت المملكة عمالقة في العلم، والعقل، والخلق الرفيع أسهموا بخبراتهم، وتخصصاتهم في بناء هذا الكيان، وخَلَّدوا ذكرهم بنبل أخلاقهم، واتساع معارفهم.
القوميون العرب الذين احتواهم [الملك عبدالعزيز]، عندما استعاد الحجار، ومكنهم من المناصب العليا. ألفوا الكتب، وأبدعوا القصائد في تمجيد الملك المؤسس، والإشادة بالإنسان السعودي.
ومن بعدهم جاء الآلاف من (أبناء الشمال)، ليقدموا القدوة في الأخلاق، والقوة، والأمانة في العمل. من أمثال [عمر أبو ريشة] الذي اتخذ [الملك فيصلاً] مثله الأعلى، مدحه بأجمل القصائد، ورثاه بأروع المراثي.
وإذ لانود المجاراة في الخلق الدَّنيء، فإن من حق كل مواطن أن يدافع عن كرامة وطنه، وأن يقول بملء فمه مايكشف سوءات المرتزقة:- {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ}. {لاَّ يُحِبُّ اللّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوَءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ مَن ظُلِمَ}.
(مملكة الإنسانية)، وشعبها الخلوق لم يسيؤوا لأحد، ولم يغمطوا حق أحد. وإذا جاء مستفيد على خلق دنيء، وصدمته قيم دولة كـ[المملكة]، فإن عليه أن يلتزم بما هي عليه، لأن الالتزام جزء من سيادتها المشروعة، أو ليبرح عزيزاً مكرماً. فأرض الله واسعة.
[المملكة] تَدَع الخيار بيد القادم، فإذا ناسبته الأوضاع فعلى الرحب، والسعة، وإن لم تناسبه فالأبواب مفتوحة، يخرج من أي أبوابها شاء.
لـ[قباوة] رؤية في العقائد، و العبادات، والعادات، تخالف ماعليه [أهل القصيم], ومن ثم عاش سنوات إقامته مقموعاً، وتحت صراع الأطماع مع القيم.
وحين خرج انفجرت كوامنه كالبالونات. هذه النوعيات المتدنِّية أضاعت بلداً بوزن [سوريا].
يكفي أن (الشعب السعودي) بكل مناطقه، وأطيافه قدموا للعالم العربي القدوة الحسنة في السلوك، والتعامل، والرؤى السياسية، فلم يُذَلَّ إنسان المملكة، ولم يختل أمنها، ولم تهدم بيوتها، ولم يشرد أهلها، ولم تتوان في تضميد الجراح، وإطعام في يوم ذي مَسْغَبة.
من ينقم على المملكة، وهي المثل الأعلى في العطاء، والتعامل المتوازن مع كل الأحداث، يفقد مصداقيته، وتنكشف سوءته، ويسيء إلى نفسه، ولذاته.
إن على المسؤولين في ( المملكة) وضع مثل هذا الصنف في القوائم السوداء، وعلى الحقوقيين مطاردتهم، ومطالبتهم قضائياً, ليتأدب من في قلبه أضغان:-
[والظلم من شيم النفوس] الدنيئة. ( ومن أمن العقاب أساء الأدب).