د. محمد بن عبدالله آل عبداللطيف
تلقيت دعوة كريمة من وزارة التعليم العالي في عام 2013م، لحضور حفل تخريج طلابنا في واشنطن. وكانت تلك هي الدعوة اليتيمة التي تلقيتها من أي جهة رسمية لحضور فعالية ولذا بقيت عالقة في الذاكرة ليس لمناسبتها فقط بل لكرم الضيافة الجم من الوزارة، والشرف لمقابلة شخصيات مهمة كالدكتور خالد العنقري وزير التعليم آنذاك ومعالي وزير الخارجية خالد الجبير، السفير في ذلك الوقت، ومما رسخ هذه الذكرى أيضاً هو المناظر المبهجة للأعداد الكبيرة من الخريجين بملابسهم الزاهية، وفرحتهم الغامرة، أشبه ما كنا في عرس أو عيد علمي. والجميع يتطلع للمستقبل.
الوفد الإعلامي لم يكن بالكبير وسكنا، أو أسكنا، معًا في أحد أفخم الفنادق في العاصمة الأمريكية حيث قابلت في اليوم التالي من وصولنا، قبل الفعاليات بيوم، شخصية لم أكن أعرفها من قبل ولم أسمع حتى بها، لكنها لا بد أن تكون شخصية إعلامية سعودية لأنها مدعوة من الملحقية. قيافته، وطريقة تصرفه لم تكن توحي أنه يألف الأجواء الأمريكية، ولم يكن منسجمًا مع ما حوله. بعد التحية طلب مني أن نخرج سوية فرحبت به، وكالعادة كانت معي كامرتي وأحببت أن التقط بعض الصور لمعالم العاصمة الأمريكية المهمة. وصلنا للحدائق حول الكونجرس والمسلة والبيت الأبيض ولفت انتباهي أنه كان غير مكترثا. دفعني الفضول لأسأله أين يكتب؟ فأجاب في قطر، في صحيفة الرأية القطرية. وأردف أن القطريين «معازيب» جيدين ويدفعون عالياً مقبل الكتابة. وكانت الأمور مع قطر في تلك الأيام عادية، ولذا كدت أن أطلب منه أن يتوسط لي لأكتب في الصحيفة، لولا أن الحياء منعني.
لم أشاهد صاحبي في أي من فعاليات الملحقية، ولم يكن معنا في لقاء أيٍ من المسئولين، وبما لم يكن الوحيد في التغيب عن لقاء المسئولين ولذا لم يلفت تغيبه نظري ولا نظر الآخرين. لكني عندما عدت للفندق ذات مساء صدفة وجدته محاط بعدد كبير من الطلاب وبعضهم ربما ليسوا طلاباً. سلمت وجلست فاستمر يحاضر على الجمع عن الإسلام والحل الإسلامي وأن المستقبل للإسلام وأمور أخرى، فقلت في نفسي يا سبحان الله الدولة دفعت الغالي والنفيس لإعداد شبابنا للمستقبل بتخصصات مختلفة وهذا يعيدهم إلى تخصص واحد!! اعترضت عليه بأن ما يقوله غير صحيح ويمثل وجهة نظر واحدة مختزلة، وأن الإخوان المسلمين صناعة بريطانية هدفها تمزيق الأمة إلى قوميين وإسلاميين وإشعال حروب دائمة بينهما ضررها نراه اليوم. عم الوجوم وجوه القوم فأحسست أنه لا رغبة لهم في بقائي معهم فغادرت لطاولة أخرى.
حقيقة، أنا بطبعي من النوع الذي يصعب إقناعه بأي شيء مالم يكن هناك إثبات دامغ عليه. ولذا عندما نشبت الأزمة مع قطر قررت التريث لأعرف ما الأمر حقيقة؟ ثم شاهدت سلسلة تسجيلات فيديو لاجتماعات ما سمي «بشباب النهضة للتغيير» بقيادة سلمان العودة وعزمي بشارة وغيرهم بتمويل قطري، ولدهشتي فقد اقتصرت هذه الاجتماعات على الشباب السعودي فقط. بالطبع السعودية أوقفت بعض النشطاء في هذه الاجتماعات التآمرية وهي بصدد التحقيق معهم. غير أن الأمر الذي أدهشني، هو أن صاحبي محاضر فندق واشنطن على جمع الطلاب السعوديين، والكاتب في قطر، طفح على السطح مرة أخرى في تويتر ليس في المملكة بل في تركيا، وكرئيس «مركز دراسات الشرق الأوسط»!! رئيس مركز؟ يا سبحان الله، فهذا الرجل يفتقد لأي صفة من الصفات الفكرية ليتسنم مركزًا كهذا، وتأكدت أن هذا المركز أسس له ليرأسه ليكون منبرًا لاستمرار واستكمال نشاطاته. «فعكه» في التفكير والكتابة لا يؤهلانه ليكون كاتبًا في صحيفة حائطية ناهيك عن مركز بحث، وكل ما يفعله هو ترديد كلام من سبقوه من الإخوان كالببغاء. والقشة التي قصمت ظهر البعير، عندما شاهدت له تغريدات ينعي بها الزميل جمال خاشقجي «بالشهيد أبا صلاح»، وكأنه صديق له. بالرغم من أني شبه متأكد أنه لا يعرفه، وأن جمال لم يكن يستسيغ مقابلة سذج على شاكلته.
للأحداث الأخيرة حسنة كبيرة في إبراز خيوط المؤامرات القطرية التركية على المملكة والأمة، وأبرزت دور الجزيرة في الاستمرار بالتغرير بشبابها، والشباب العربي والمسلم لزعزعة استقرارها لإدراكهم بأنها مركز الثقل الحقيقي الذي لا يزال يحفظ توازن الأمة. وكما غررت بنصف المتعلم هذا وشيدت له برجاً عاجيًا في تركيا كرئيس مركز أبحاث تسعى للتغرير بغيره بإبرازهم كخبراء على الجزيرة. ولكن كما يقال، رب ضارة نافعة، كشف الله بذلك سترهم، وأبرز مؤامرتهم، ودخلت بلادنا في عهد من الانفتاح والإصلاح كنا دائمًا تواقين له وكان يقف بيننا وبينه إرجاف هؤلاء وتشكيكهم.